سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الخضرمة وفيون وجاكلين كيندي

كلما تقدم المرء في السن، اتسعت أمامه دوائر المقارنات. ويُسمينا البعض «المخضرمين»، وهو مثل معنى الكلمة نفسها، نصف مديح، نصف يا ساتر. والمخضرم في الأهل، هو من عرف الجاهلية وأدرك الإسلام. لكن الذين تأبى عليهم أنفسهم إسباغ أي صفة تكريمية على أمثالنا، يلجأون إلى هذا الوصف الحيادي، بحيث يعني العمر، ولا شيء سواه. وقد أرادت صحافية ناشئة أن تجري مقابلة مع سناء البيسي، فخاطبتها قائلة: «باعتبارك صحافية قديمة». وكانت النتيجة مقالاً جميلاً آخر من سناء، التي تحجبها عنا إدارة «الأهرام»، منذ أشهر.
والذين يصفون الصحافيين بالمخضرمين، لا يعرفون ماذا فاتهم من فوائد الخضرمة. كلما تأملت السيدة ترمب، أتذكر أنني عملت في عصر جاكلين كيندي، «أرملة الكبار». وأتذكر أنه كان من ضيوف بيروت ونستون تشرشل، والمارشال مونتغمري، والمؤرخ أرنولد توينبي. ولم أعد الآن أتابع أخبار السياسة الفرنسية إلا كقارئ على عجل. وعندما تابعتها كصحافي ومراسل، كان بين سياسييها شارل ديغول وجورج بومبيدو. والآن أقرأ أن مرشح الرئاسة الأقوى (حتى اليوم) فرنسوا فيون، وظَّف زوجته وبناته عنده على حساب الدولة. وفي الماضي كنا نقرأ أن فاتورة الكهرباء في جناح الرئيس ديغول بعد الثامنة مساء، كان يدفعها شارل ديغول. وأن الحلاّق كان يتقاضى أجرته و«بقشيشه» في الإليزيه من المواطن ديغول.
الخضرمة محزنة، ليست بسبب التقدم في السن وألم المفاصل، ولكن بسبب المقارنة. لا أستطيع أن أنسى اللحاق بديغول إلى آيرلندا، والمشي مع فرنسوا ميتران، المرشح، إلى مقر إذاعة «أوروبا 1»، ومقابلة جيسكار ديستان في مهرجانه الانتخابي. واليوم من هم المرشحون لرئاسة فرنسا؟ ومَن كانت السيدة الأولى في البيت الأبيض بعد جاكلين كيندي؟ ومن هي السيدة الأولى في الإليزيه بعد العمة إيفون ديغول، التي كانت ترافق أحفادها إلى دكان الحلويات في العطلة الأسبوعية لشراء الشوكولاته بعيدًا عن «موازنة» الإليزيه، لكي لا يقال، يا مسيو فيون، إن زوجة الجنرال أخطأت الذمّة بعشرين فرنكًا.
عملت جاكلين كيندي بعد البيت الأبيض محررة (رئيسة قسم) في دار نشر. وطلب منها مرة ويليام باكلي جونيور الظهور في برنامجه التلفزيوني، فقالت له: «كم أنا سيئة تلفزيونيًا يا ويليام. سوف أخرّب عليك برنامجك. لقد جربت الظهور أيام البيت الأبيض، وكان ذلك كارثيًا».