يحاول الإعلام الروسي ترسيخ فكرة لدى متتبعيه مفادها أن موجة الاحتجاجات العارمة التي تجتاح دول العالم، ردًا على سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منذ تنصيبه حتى إعلانه القرار الخاص باللاجئين، ليست احتجاجات في واقع الأمر، ولا تشكل تعبيرًا حرًا عن موقف معين، وإنما «مسرحية وفق سيناريو تم إعداده بإحكام». أما المحتجين، فهم إما «ممثل» يشارك مقابل مبالغ مالية، أو «ساذج» يستغل البعض انفعالاته، ويوجهونه دون علم منه، ليخرج إلى الشارع. واللافت أن الإعلام الروسي يعرض هذه القراءة للأحداث، دون إبداء أي وجهة نظر أو قراءة أو تعليق حول قرارات ترمب، تمامًا كما هي الحال بالنسبة لأسلوبهم في عرض تطورات الأزمة السورية، على سبيل المثال لا الحصر، فما يجري هناك هو أيضًا «مؤامرة أميركية» ضد «نظام الممانعة»، يجري تنفيذها وفق «سيناريوهات أميركية» لتغيير أنظمة الحكم، ويتجاهل ذلك الإعلام عقودًا من الظلم والاضطهاد والقمع، شكلت فتيلاً كان سيشتعل، ويفجر الوضع عاجلاً أم آجلاً، دون الحاجة لأي «سيناريوهات».
وتحت عنوان «من المستفيد من الاحتجاجات ضد ترمب»، نشرت وكالة «ريا نوفوستي» مقالاً تحليليًا للمحلل السياسي إسكندر فاليتوف، الخبير في مركز دراسات تابع للوكالة ذاتها، يقول فيه إن «الاحتجاجات ضد دونالد ترمب تتزايد أكثر فأكثر، إن كان على خلفية القرارات التي اتخذها في يناير (كانون الثاني)، أو دون أي علاقة للاحتجاجات بها»، دون أن ينكر حقيقية أن «رجال السياسة ورؤساء وشخصيات من عالم الفن، وغيرهم من النجوم، فضلاً عن اللاجئين المستائين، وممثلي الأقليات الجنسية، وحتى شخصيات من الإدارة الأميركية، يشاركون في تلك الاحتجاجات». إلا أن الخبير من وكالة «روسيا سيغودنيا» يرفض النظر إلى ما يجري على أنه رد فعل طبيعي على سياسات ترمب، ويذهب إلى القول إن «النظر إلى ما يجري على أنه تعبير عفوي من جانب المواطنين، يتطلب أن يكون المرء غاية في السذاجة»، معربًا عن قناعته المطلقة بأن الاحتجاجات «عمل منظم تجري إدارته وتوجيهه».
أما الملايين الذين يشاركون في الاحتجاجات الأميركية وغيرها، فهم يخضعون للتحكم، حسب ما جاء في تقرير «ريا نوفوستي» الذي يبتعد كاتبه عن الخوض في أسباب خروج احتجاجات هنا أو هناك، دون أن يتمكن من تجاوز حقيقة «أحقية الأسباب التي دفعت هؤلاء للتظاهر»، حين يقول: «ومع أن غالبيتهم يعتقدون أنهم يتصرفون تلبية لنداء الروح»، مع هذا فإنهم في واقع الأمر، حسب ما يرى فاليتوف «يجري التحكم بهم، وليس عبر الأوامر المباشرة أو بالمال، بل من خلال إثارة الغضب المحق في داخلهم، وتوجيهه (ضد) السلطات والدولة».
ضمن هذه الرؤية، يضع التقرير ما يجري في الولايات المتحدة على أنه عملية منظمة ضد ترمب، أما المحتجين وغضبهم، فهذه ليست مسألة عفوية، وإنما جزء من مسرحية. وفي محاولة الإجابة عن سؤال «من المستفيد؟»، يفرد الكاتب فقرات طويلة مفادها، حسب وجهة نظره، أن الرأسمالية، وممثلي قطاع المال والمصارف والبورصات، وممثلي شركات تقنيات الرقميات، هم المستفيد مما يجري، ويتهم فاليتوف المحتجين ومن يدعمهم بأنهم «لا يسعون لتشكيل ضغط على ترمب، ولا يتظاهرون لعقد صفقات معه، بل يريدون إزاحته هو وفريقه».
ولم يكن المحللون السياسيون وحدهم من عمد إلى تحميل المسؤولية للـ«مؤامرة» عن الاحتجاجات، في الولايات المتحدة وغيرها، ذلك أن النخب السياسية الروسية تتفق أيضًا مع هذه الرؤية، بشكل عام. وكانت صحيفة «إزفستيا» قد نقلت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منتصف يناير الماضي، التي اعتبر فيها أن المواجهة السياسية الداخلية الحادة في الولايات المتحدة ما زالت مستمرة، ملمحًا إلى مسؤولية إدارة «أوباما» عن الاحتجاجات ضد ترمب، وقال بهذا الصدد: «يتولد انطباع بأنهم، وبعد أن تدربوا في كييف، مستعدون الآن لتنظيم ميدان في واشنطن، والمهم ألا يسمحوا لترمب بتولي مهامه الرئاسية». والمقصود من كلمة «ميدان» هو الاحتجاجات في ساحة «ميدان الاستقلال» في العاصمة الأوكرانية كييف، التي أطاحت بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وترى روسيا أن تلك الاحتجاجات عملية جرى تنظيمها، بمشاركة أميركية.
المتهم الرئيسي بتنظيم الاحتجاجات الرامية، وفق عدد كبير من وسائل الإعلام الروسية، إلى الإطاحة بترمب، هو الملياردير الأميركي جورج سوروس. وليكتمل ملف الاتهام، كان لا بد من نقل تصريحات سوروس لوسائل إعلام أجنبية، التي شن فيها هجومًا على ترمب، إذ تعمد الإعلام الروسي التركيز على تصريحات لسوروس حذر فيها من أن ترمب قد يتحول إلى ديكتاتور. وحسب قناة «روسيا 24»، فإن سوروس قد خسر مليار دولار أميركي نتيجة تقلبات السوق إثر الإعلان عن فوز ترمب. وتنقل القناة في إحدى نشراتها، عن مواقع إخبارية إلكترونية، معلومات مفادها أن «جورج سوروس، وغيره من الأغنياء الليبراليين الذين أنفقوا عشرات الملايين من الدولارات لضمان فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية، عقدوا اجتماعًا في واشنطن لبحث تغيير استراتيجية المواجهة ضد ترمب».
من جانبه، نقل موقع «فيستي رو»، التابع لمجموعة قنوات تلفزيون «روسيا» الحكومية، تصريحات مسؤولين روس، حول دور جورج سوروس في الاحتجاجات، وحرص الموقع على عرض «تغريدة» كتبها أليكسي بوشكوف، العضو في المجلس الفيدرالي، قال فيها: «اتضح أن جورج سوروس، الممول الرئيسي لحملة كلينتون، هو من يقف خلف الاحتجاجات العفوية»، وأردف ساخرًا: «احتجاجات عفوية، ها ها ها». أما المعلقة ماريا باليابينا، من وكالة «سبوتنيك»، فقد توقفت عند «المسير النسائي» المناهض لترمب، وتعمدت الإشارة إلى أن من نظم تلك الاحتجاجات لم تكن هيلاري كلينتون، لافتة إلى أن «الألسن الشريرة تشير إلى أن 50 في المائة من الجهات التي نظمت ذلك المسير، تحصل على تمويل من جورج سوروس»، لتقول بطريقة غير مباشرة إن سوروس يقف خلف كل ما يجري في الولايات المتحدة، وهي الفكرة التي يجمع عليها غالبية الإعلام الرسمي الروسي.
الإعلام الروسي ينافح دون ترمب
يصر على وصف أي اعتراضات في العالم بأنها «سيناريو أميركي» لتغيير نظام الحكم
الإعلام الروسي ينافح دون ترمب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة