سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

هل هي الحرب ضد إيران؟

خلال أقل من أسبوعين واجهت إدارة الرئيس دونالد ترمب إيران، بأكثر مما واجهتها به إدارة الرئيس السابق باراك أوباما خلال 8 سنوات. اعتبرتها الإدارة الجديدة «مصدر التهديد الأكبر». تصريحات حادة من الرئيس «إيران تلعب بالنار والإيرانيون لا يقدّرون كم كان أوباما طيبًا معهم أما أنا فلست مثله». مواقف متشددة من البيت الأبيض والبنتاغون. عقوبات جديدة على إيران بسبب تجربتها صاروخًا باليستيًا. نفس هذه السلوكيات ليست مفاجأة على الإطلاق وليست جديدة، وتكررت طويلاً في عهد الرئيس أوباما، الفرق أن هناك إدارة جديدة تبدي توجهًا صارمًا تجاه السياسات الإيرانية المزعزعة للمنطقة، مقابل إدارة سابقة تسمي إيران دولة راعية للإرهاب وفي الوقت نفسه تغض النظر عن ممارساتها، فقط لإنجاح اتفاق نووي أعرج.
في ظل منطقة لم تعرف التوتر إلا بعد وصول النظام الإيراني للحكم عام 1979، فإن الرئيس دونالد ترمب سيكون كما هم أسلافه الخمسة الأخيرين، رئيسًا في زمن الحرب، بالطبع هذا ليس وفق اختياره بقدر ما هو التزامات لا تستطيع أكبر دولة في العالم التخلي عنها، فالولايات المتحدة وعلى الرغم من كل الأحاديث عن تراجع دورها بالمنطقة، تمتلك مصالح استراتيجية لا تسمح لها بتقليل وجودها، كما أن هذه المصالح لم تتغير كثيرًا خلال الأربعة عقود الماضية، وتتمثل هذه المصالح في منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، مكافحة الجماعات الإرهابية، ضمان أمن تصدير النفط، وهو ما ينعكس على الاقتصاد الأميركي بالدرجة الأولى، واقتصاد حلفاء واشنطن الرئيسيين حول العالم، وجميع هذه المصالح تتأثر بالسياسات الإيرانية بشكل جذري، وتستطيع واشنطن تبنّي حملة ضغط جديدة عليها يمكن أن تساعد على عكس مجرى الأحداث، خاصة أن الولايات المتّحدة لا تعاني من نقص في الوسائل للتأثير على السلوك الإيراني. في تقديري هناك أربع أوراق لدى واشنطن تستطيع من خلالها عزل إيران؛ أولاها رفع تكاليف استمرار التعنت الإيراني والتركيز على تطبيق الاتفاق النووي بصرامة وليس إلغاءه، على الأقل في المرحلة الحالية، وهو ما يضمن عدم تعزيز القدرة الإيرانية على صنع قنبلة نووية من جانب، وردع «أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم»، كما تصفها واشنطن، من جهة ثانية. وثاني الأوراق العودة عن كارثة تسليم العراق لإيران، وهي البوابة التي أطلقت يد الحكومة الإيرانية بميليشياتها وأذرعها للتمدد بالمنطقة وتهديد المصالح الأميركية، أو كما قال ترمب بأن «إيران تستحوذ بسرعة على المزيد والمزيد من العراق حتى بعد أن أهدرت الولايات المتحدة هناك 3 تريليونات دولار. وهذا واضح منذ فترة طويلة». صحيح أن ذلك لن يتم بالتأكيد بسهولة، غير أن البدء في تصحيح ذلك الخطأ الكارثي هو خطوة هامة لمحاصرة إيران، وأبرز أدوات واشنطن هنا هو التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده هي بنفسها، وأيضًا التحالف الإسلامي المكون من 41 دولة إسلامية، هذا التحالف لديه المصداقية لمحاربة الإرهاب في العراق بدلاً من ترك ذلك ذريعة لمزيد من التدخلات الإيرانية ونشر الجماعات الطائفية المتطرفة. في حين أن الورقة الثالثة تتمثل في إدراج الحرس الثوري والجماعات التابعة لها ضمن المنظمات الإرهابية، فهذه الجماعات بتحررها من هذا التصنيف، تمارس أشد أنواع التخريب والفوضى وضرب المصالح الأميركية بينما هي تحت المظلة الرسمية مما يسمح لها بما لا تستطيعه جماعات إرهابية أخرى مثل «داعش» و«القاعدة». أما الورقة الرابعة فهي تشديد الخناق على الدعم الإيراني للانقلابيين في اليمن، والذي أضحى مهددًا للسلم وتعزيزًا للفوضى، مع استمرار شحنات الأسلحة التي ترسلها إلى حلفائها في اليمن، منتهكةً بذلك الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على نقل الأسلحة، كما أن هذا السلوك يتحدّى مباشرةً قرار الأمم المتحدة رقم 2231 الذي يرسخ الاتفاق النووي، ويعد مثالاً صارخًا على عدم جدية إيران في الالتزام بالاتفاق، أما إذا واصلت طهران انتهاك الاتفاق النووي، فلن يكون أمام الولايات المتحدة حينها إلا التخلي عن الاتفاق.
بقي أن نشير إلى أن السياسة الأميركية الجديدة ضد إيران لا تعني الرغبة في حرب أو التشجيع عليها، فليس من مصلحة أي طرف مثل هذه الحرب، لكن من الواضح أن الإدارة الأميركية الجديدة واعية للخطر الإيراني الكبير على مصالحها، والتي لم يردعها لا اتفاق نووي ولا نوايا أوبامية حسنة، ويبدو أن القادم هو رفع سقف المواجهة لتكون أقل من الحرب وإنما بأدوات قادرة على إيقاف السلوكيات الإيرانية بشكل كبير.