حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

دونالد ترامب «مرآتنا»!

عندما طرح تنظيم القاعدة سؤاله الشهير: «العالم منقسم إلى فسطاطين فمع من أنتم؟»، كان رد جورج بوش الابن سريعًا عليه حينما قال: «أنتم إما معنا أو معهم»، ليعود بعد فترة طويلة ويطل القذافي علينا ويتحفنا بسؤال كتب عليه الخلود عندما سأل متعجبًا: «من أنتم؟». والآن يأتي الرئيس دونالد ترمب ليطل علينا بتصاريح عن «الهويات» أو كما سماها العبقري الفذ أمين معلوف معنونًا إحدى رواياته بـ«الهويات القاتلة». فتحت أسماء الأقليات واللاجئين والمهاجرين فُتحت الأبواب للتصنيف العنصري «الجديد»، وهذا ليس حصرًا على إدارة ترمب فحسب، فهناك العديد من المجتمعات تقوم به، والأعجب كلما زاد «المظهر الديني» و«الشعار الديني» في المجتمع ارتفعت معهما حدة العنصرية البغيضة، ففريق «الكوكلوكس كلان» المتطرف في الجنوب الأميركي انشق عن منظمات دينية متطرفة ومارس أبغض أنواع العنصرية بحق غير البيض، والنازية نفسها اعتمدت الصليب المعقوف لإبراز صلتها بالدين المسيحي ومارست أسوأ أنواع العنصرية البغيضة بحق الأقليات في ألمانيا، وفي العالم الإسلامي هناك فئات تدعي قربها للحق وتمارس أشد أنواع العنصرية ضد «مخالفيها» من المسلمين سواء كانوا عربًا أو غير عرب. وطبعًا في الدين اليهودي هناك تعاليم في التلمود نفسه تعطي كل الحق لليهود باضطهاد وازدراء من هم أتباع لأديان أخرى غير اليهودية.
الأديان أتت لتهدي النفوس واستغلها البعض لازدراء الغير وتحقيرهم، وهذا الداء يعاني منه أتباع كل دين في فئاته المتطرفة حتى تحول إلى سرطان فتاك. وأسخر من الذين ينتقدون دونالد ترامب على مواقفه العنصرية وتصريحاته المسيئة بحق المسلمين والأقليات وهم يقومون بذلك الأمر ليلا ونهارًا بالسخرية العنصرية من بني وطنهم ودينهم، حتى بات ذلك مسألة أساسية في سلوكهم وتفكيرهم ومنهج الحياة عندهم، فلا يمكن أن يكون الحوار «طبيعيًا» بين اثنين مختلفين في الرأي إلا ويذكر أصلك وفصلك ولون بشرتك إلى آخر الأصوات العجيبة التي تنتمي إلى عوالم الحيوان في التفكير.
من السهل أن نحول دونالد ترامب إلى كيس ملاكمة، فنقوم بإفراغ شحنات الغضب عليه، ومن السهل أن نكيل عليه التهم بالعنصرية والازدراء لأنه يوفر لنا الغطاء المناسب لستر عيوبنا الكارثية فيصرف النظر عنا فيهتم العالم بكوارث غيرنا. لا يحق لنا انتقاد أحد (ولا حتى الرئيس الأميركي) قبل أن نقضي أولا على العلل «ذاتها» الموجودة والمتجذرة في مجتمعنا.
العنصرية المقيتة هي التي تقنن التفرقة في الوظائف والفرص والمزايا والقدرات، وهي التي تمنح شرعية للتطليق والتفريق بين الأزواج بحجة عدم كفاءة النسب وغيره من الأسباب. شكرًا دونالد ترامب لأنك «مرآتنا» التي نخجل من الاعتراف بوجودها، شكرًا لأنك صورة لنا، شكرًا لأنك قلت في العلن ما يقال في السر والعلن. السؤال لم يعد «من أنتم؟»... السؤال يجب أن يكون «متى نتخلص منكم»!