خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من باب العتاب

هام بحب القاهرة الكثيرون من الأدباء والشعراء وأصحاب الفن. لي صديق واظب على هذا الحجيج إليها حتى في أيام محنتها وشيوع الإرهاب في شوارعها وأحيائها. كان من رهط عشاقها الشاعر السعودي، الشيخ عبد العزيز الرفاعي. سمع بنزوله في أحد فنادقها الفريق يحيى العلمي. فقصده يومًا دون موعد، كما يفعل الكثيرون منا على عادتنا الشرقية. فلم ينل من زيارته وإتعابه غير الفشل. ولكنه كان رحمه الله مواظبًا على التمسك بالصبر والجلادة ويستأنس، كما يخيل إليّ، بفشل الخيبات والمسعى. وكان رغم هويته العسكرية ممن يتعاطون الشعر والأدب. زاره مرة أخرى، بل ومرات أخرى حتى هب لنصحه شياطين الشعر وأوحوا له بهذه القصيدة التي أقتطف منها هذه الأبيات الثلاثة:

أليس عجيبًا أن نكون ببلدة
لبضعة أيام ولا نتزاور
ولو أني قد كنت عنكم مغيبًا
صبرت وإني في الخطوب لصابر
ولكن ما ألقاه من ألم الجوى
بعاد حبيب وهو جار مجاور

وضعها في قصاصة من الورق وسلمها لسكرتيرة الاستقبال. تسلمها الشيخ الرفاعي، رحمه الله، عند عودته للفندق. وبدلاً من ترتيب موعد مع الفريق لاستقباله انشغل بالرد على القصيدة. أجاب عليها بمثل ذلك من القصيد وعلى نفس الوزن والقافية. كتب يقول:

صدقت ولكن العجائب كثرة
وأعجب إن قل فيها التزاور
وقد زعموا أنا بعصر تكاثرت
وسائله بل قد أضر التكاثر
تغرقنا هذه الوسائل بعد ما
تباعدت الجيران وانفض سامر
وفيت وأديت الزيارة رغم ما
يقاسيه من بعد المسافات زائر
جزاك الذي حلاك بالنبل حلية
معززة بالعلم والجمع نادر
وإني الذي قصرت نحوك مكرهًا
فعفوك مأمول، فهل أنت عاذر؟

تلاقفت الصحافة هذا التبادل الشعري الإخواني فنشرته مجلة «الأسبوعي» السعودية بعد أيام قليلة. كما ضمته في حينها منشورات الاثنينية للشيخ عبد المقصود الخوجة.