سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

إذا كان على ترمب أن يختار!

السؤال هو: هل يبحث الرئيس ترمب عن الإرهاب الإسلامي المتطرف، الذي أشار إليه في خطاب تنصيبه، فيقاومه ويطارده، وحده، وعن الإسلام السياسي المعتدل، في منطقتنا، فيسانده، أو على الأقل لا يعاديه، أم أنه سيضع الجميع في سلة واحدة إلى حين إشعار آخر؟!
سبب السؤال أن تيار الإسلام السياسي المعتدل، الذي وصل إلى الحكم في عدد من العواصم العربية، في زمن الربيع العربي، كان يتلقى مساندة سياسية واضحة، ومعلَنة، وقوية، من إدارة الرئيس أوباما، وكانت تلك الإدارة ترى فيه بديلاً آمنًا لأنظمة الحكم التي تداعت أركانها سريعًا مع بدء هبوب رياح ذلك الربيع!
وأظن أن قادة هذا التيار قد أحسوا بنوع من الغربة مع مجيء إدارة ترمب، التي يبدو أن «الكيميا» السياسية بينها وبين جماعة الإخوان مثلاً، ليست على ما يُرام، وبالأدق، ليست هي «الكيميا» التي دامت للجماعة ثماني سنوات مع أوباما، وليس سرًا أن فوز هيلاري كلينتون، كان سيجعل من سنواتها في الحكم، امتدادًا لسنوات أوباما، من حيث طبيعة العلاقة مع تيار الإسلام السياسي الذي يصف نفسه بأنه معتدل!
وليس سرًا كذلك أن الجماعة كانت تقدم نفسها في الغرب، وفي الولايات المتحدة بالذات، على أنها تمثل الإسلام السياسي المعتدل، بمثل ما كانت تقدم نفسها أيضًا، في سنوات الاتحاد السوفياتي، على أنها الأقوى، والأقدر، في مواجهة الشيوعية، دون أن يكون التقديم في حالتيه منها، لوجه الله، إذ تبين من تجربتها في الحكم في مصر خاصة، أنه كان لوجه الكرسي، والسلطة، والحكم، لا أكثر!
ولا هو سر كذلك أن السيدة كلينتون، على وجه الخصوص، كانت تحمل إعجابًا بالجماعة الإخوانية، بوصفها ممثلاً للاعتدال الذي قدمت نفسها به عند الأميركيين، ثم كانت كلينتون تحمل إعجابًا أعلى، بتجربة حكم حزب العدالة والتنمية في المغرب، وقد شاع كلام تسرب عن مراكز دراسات سياسية، في صيف 2016، وكان مما قيل في الكلام المُسرب، إن إدارة كلينتون ستعمل، لو كتب الله لها النجاح، ليس فقط على دعم «العدالة والتنمية» المغربي سياسيًا في بلده، ولكن على تعميمه قدر الإمكان في المنطقة!
ولا بد أن التيار كله، بمعتدليه ومتطرفيه، قد تشاءم يوم نجح ترمب، لأن الرجل لم يشأ أن يُخفي عداءه للتيار بكل أطيافه، طوال فترة ترشحه، وليس من الظاهر، حتى الآن، أن ترمب الرئيس، سيختلف عن ترمب المرشح في هذا الموضوع، ولو كان هناك احتمال للاختلاف لكنا قد سمعنا منه، وهو يتوعد الإرهاب الإسلامي المتطرف، في خطاب التنصيب، شيئًا عن الوجه الإسلامي الآخر، الذي ليس إرهابًا، وليس تطرفًا!
ولكنه تشاؤم من هذا التيار موقوف على وقته، على كل حال، لأنك لا تستطيع أن تخمن ما سوف يتخذه الرئيس الجديد، من سياسات، حين ينتقل من كرسي المرشح إلى كرسي الرئيس المسؤول، ثم يستقر عليه، وتوضع أمامه خيارات، مع طلب اتخاذ قرار!
ما قراره لو وضعوا أمامه، مثلاً، ما نشرته «الشرق الأوسط» على صفحتها الأولى، في الثاني والعشرين من يناير (كانون الثاني)، نقلاً عن أوراق للمخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)؟! إن الأوراق تقول إن تقدير خبراء هذه المخابرات في واشنطن، أن جماعة الإخوان في مصر خطر على المصالح الأميركية، وأن إضعافها - وهذا هو الأهم - أخطر، لأن إضعافها يفتح الطريق أمام جماعات أخرى، أقل تقبلاً للولايات المتحدة، وأكثر تطرفًا!
علينا أن نتوقف هنا أمام شيئين؛ أولهما أن هذه الأوراق المُفرج عنها من المخابرات، تصف الجماعات غير الإخوانية، بأنها أكثر تطرفًا، بما يعني بمفهوم المخالفة، أو حتى المقارنة، أن الجماعة هي أيضًا متطرفة، ولكن تطرفها من النوع الأخف، إذا جاز أن يكون هناك تطرف خفيف، وتطرف ثقيل! والشيء الثاني أن هذا الكلام المنسوب إلى أوراق مخابراتية أميركية يعود إلى عام 1986، عندما كان حكم الرئيس مبارك في ذروة قوته، وكانت الجماعة لا تزال تتحسس مواقع أقدامها معه!
وما بين عام 1986، حين سجلت «سي آي إيه» هذه المعاني في أوراقها، وعام 2011 حين سقط نظام حسني مبارك، أو جرى إسقاطه، كانت الجماعة قد أقنعت الإدارات الأميركية المتعاقبة، عمومًا، وإدارة أوباما تحديدًا، بأنها مُهيأة لتعطي واشنطن ما لم تحصل عليه من نظام مبارك، وبكل ما كان يعطيه على مدى تحالفه الطويل مع الولايات المتحدة!
كان الأسى الذي أصاب البيت الأبيض، يوم سقوط الجماعة في يونيو (حزيران) 2013، يقول إن الأميركيين تعاملوا معها قبل وصولها للحكم، وأثناءه، وبعد إخفاقها فيه، بمنطق الخطر والأخطر، وإن هذه الجماعة إذا كانت خطرة على المصالح الأميركية، فغيابها في نظر الأميركيين أخطر على المصالح نفسها!
سؤال الختام هو: هل يجد ترمب أنه مُخير بين السيئ والأسوأ، فيميل إلى السيئ كسابقيه، أم يرفضهما معًا، ويطاردهما معًا، ويعلن الحرب عليهما معًا؟! ظني أنه إذا تُرك لنفسه، فسيرفض الاثنين، وإذا خضع لرأي المؤسسات التقليدية من حوله، فسيكون عليه أن يختار!