سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

شعر القضايا

كان الشعر في القرن الماضي شعر القضايا. ليس شعر المناسبات والخطابيات، الذي يأنفه النقاد ومؤرخو الأدب وأكثر الشعراء، بل الشعر الذي يعبّر عن مرحلة معينة، وطنية، قومية، شعبية، حياتية أو إنسانية عامة. وعندما انتقل التيار الشعري العام من التقليدي إلى «الحديث»، ازداد تعبيره عن قضايا الإنسان العربي، الحديث هو أيضًا. من الجواهري والسياب في العراق، إلى نزار قباني في سوريا، إلى خليل حاوي في لبنان. وأوصل حاوي المسألة القومية إلى دراميتها عندما أقدم على الانتحار ليلة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، مدركًا سلفًا أن أحدًا لن يلتفت إلى انتحاره، لأن البلد برمّته سوف يكون تحت الاحتلال، فيما جثته هو مرمية على رصيف الجامعة الأميركية، التي يدرِّس فيها الأدب العربي.
ولد معظم شعراء القرن في مناخ الضياع الفلسطيني، مرفقًا بالشعور العربي بالانهزام والتمرد. ونقرأ عرضًا شاملاً ووسيعًا وعميقًا لتلك المرحلة في كتاب الدكتور كمال ديب الجديد «تاريخ لبنان الثقافي: من عصر النهضة إلى القرن الحادي والعشرين». وإذ نستعيد مع المؤرخ اللبناني – الكندي (المكتبة الشرقية) تموجات وعواصف ونسمات الفنون في تلك الحقبة، نتذكر متغيرات وبدايات ونهايات لا تصدق.
من الظواهر الأدبية كان الشاعر سعيد عقل الذي دعا في ذروة عطائه (1954) إلى زوال إسرائيل، واعتبرها خطرًا كبيرًا على لبنان، ولذا يجب رصد كل الطاقات لإزالتها (حتى لو أدى ذلك إلى زوال جميع اللبنانيين). وينبغي أن ينقش هذا الهدف بالحديد المحمّى على صدر كل لبناني. «إذا كانت إزالة إسرائيل ستكلفنا فناء اللبنانيين (...) فيجب أن نظل نقول بزوال إسرائيل، ونعمل لزوال إسرائيل، وبجميع ما نملك من وسائل الروح والعقل».
غير أن سعيد عقل هو الذي دعا بعد 20 عامًا من بداية الحرب الأهلية إلى أن «على كل لبناني أن يقتل فلسطينيًا». وعلى الرغم من تأكيده موقفه من منظمة التحرير فإنه رفض الاعتراف بأنه صاحب شعار «على كل لبناني». ويعتبر كمال ديب أن بيروت كانت حاضنة الشعر القومي ولو كان شعراؤها غير لبنانيين مثل نزار ومحمود درويش. فقد كانت هي منصتهم الأم في أكثر مراحلهم غزارة. يضاف إليهما سلسلة من الشعراء العراقيين والسوريين والفلسطينيين، رأوا في المدينة مطلهم الأدبي ومنبرهم السياسي معًا.
يقع كتاب كمال ديب الممتع والمرجعي في 590 صفحة. ويجب الإشارة بتقدير أيضًا إلى الناشر الذي قدم العمل في إطار طباعي سخي، يندر أن ترى مثله في عالم النشر العربي، المتراجع مهزومًا أمام أحوال الكتاب. يضيف ديب مؤلفه إلى مجموعاته التاريخية حول لبنان وسوريا. معظمها مكتوب بموضوعية أدبية وشفافية جذابة.