مارك غيلبرت
TT

حول الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي

في فبراير (شباط) من عام 2015، صاغ خبراء الاقتصاد في «إتش إس بي سي القابضة» في لندن مصطلح الخروج البريطاني «العسير» و«اليسير». ويشير المصطلح الثاني إلى المحافظة بقدر كبير على حالة الوضع الراهن إذا ما صوتت المملكة المتحدة للخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي، في حين يستلزم المصطلح الأول مواجهة المخاطر الكبيرة، وسوف يكون الخروج في ظلها معقدًا من الناحية العملية. وحتى بعد التصويت على الخروج البريطاني من عضوية الاتحاد، قد يُغفر اعتبار أن الخيار «العسير» من غير المرجح وقوعه، ولكن ليس اليوم على أي حال.
تراجعت قيمة الجنيه الإسترليني من مستوى 1.20 مقابل الدولار إلى أدنى مستوياته خلال ثلاثة أشهر بعدما ذكرت صحيفة «صنداي تايمز» الأحد الماضي أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي سوف تمنح الأولوية للسيطرة على الهجرة قبل الصفقات التجارية في مفاوضات الخروج البريطاني. وإنني أجد رد الفعل هذا مثيرًا للاستغراب، حيث توحدت آراء وزراء الحكومة البريطانية وبشكل ملحوظ خلال الفترة التالية على الاستفتاء ومنذ يونيو (حزيران) الماضي على الحاجة إلى تحديد الأولويات للسيطرة على الهجرة أولاً مهما كان الثمن.
وانتقد غلاف مجلة «الإيكونوميست» الأخير تيريزا ماي، حيث صورها تحت اسم «تيريزا ربما، رئيسة الوزراء البريطانية المترددة بامتياز». وكان وقع ذلك الأمر قاسيًا للغاية على نفسي، فلا شيء حتى الآن على مقياس (1 إلى 10) يؤكد، أو هو دليل على التردد. فلقد التزمت السيدة ماي في كلمتها بتوفير «تعليق مستمر» حول خطط المغادرة. وكان ذلك يعني القليل من التفاصيل الثمينة الرامية إلى طمأنة رجال الأعمال، والمصرفيين، أو نسبة 48 في المائة من المواطنين البريطانيين الذين يرغبون في البقاء ضمن عضوية الاتحاد الأوروبي.
ولكنهم ليسوا في حاجة إلى الفحص والتمحيص حتى يدركوا الاتجاه الذي تسير إليه الأمور؛ فمنذ خطابها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الذي كان صارمًا ولا هوادة فيه إلى المؤتمر السنوي لحزب المحافظين، كانت السيدة ماي شديدة الوضوح فيما يتعلق بأولويات حكومتها. وليس هناك في موقف الحكومة الحالية ما يشير إلى أي شيء سوى الخروج البريطاني «العسير».
وبطبيعة الحال، فإن الغمز واللمز لا يساوي أبدًا الحصول على بيان صريح القصد والنية. فلقد كان الظهور الأخير قبل مجلس من السياسيين الموالين عبارة عن «درس صارم» في التعتيم والتشويش المتقن، حيث كان «الخروج هو الخروج»، و«نحن نريد خروجًا بريطانيًا محضًا وصرفًا» من المقاطع الصوتية الرنانة، ولكنها لا تحل محل خرائط الطريق لما يعبر عن تصور السيدة ماي عن مرحلة ما بعد الخروج البريطاني وكيف ستبدو.
لذا، من المقرر في الخطاب الذي سوف تلقيه قريبًا، أن رئيسة الوزراء البريطانية في حاجة إلى العثور على أرضية مشتركة بين عدم تسليم الذخيرة الثمينة لخصومها المفاوضين، وإخبار الرأي العام البريطاني عن أولوياتها الرئيسية خلال المفاوضات نفسها.
فهل هي تخطط حقًا للتخلي عن الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة وتسعى بدلاً من ذلك وراء الصفقات التجارية المفردة مع دول مثل نيوزيلندا؟ وهل سوف تتخلى المملكة المتحدة عن الاتحاد الجمركي الأوروبي؟
وهل ازدراؤها الواضح للقطاع المصرفي البريطاني يعني أنها لن تحاول المحافظة على نظام إصدار التأشيرات الذي يسمح لـ5 آلاف و500 شركة مالية ومصرفية تعمل في المملكة المتحدة ببيع خدماتها في جميع أرجاء الكتلة الأوروبية؟ وحول ما يتعلق بالنقطة الأخيرة على وجه الخصوص، كلما طال الأمد لتوضيح الأمور، كانت الشركات والمؤسسات المالية عرضة لاتخاذ الخطوات الاستباقية وتحويل الوظائف والاستثمارات بعيدًا عن المجال البريطاني بأسره.
الخصوصية قرينة المخاطر. من الجدير بالذكر أن السيدة ماي هي زعيم غير منتخب لكل من حكومة بلدها وللحزب الذي تنتمي إليه (وفي حين أن النواب المحافظين قد اختاروها لهذا المنصب، إلا أن السواد الأعظم من الناخبين لم يصوتوا لها). وهي تتمتع في الوقت الراهن بشعبية جيدة، وأكثر بكثير من أحزاب المعارضة وأي زعيم سياسي آخر محتمل. ولكن الشعبية في المجال السياسي تتآكل وبسرعة فائقة، ويحمل حزب المحافظين البريطاني تاريخًا طويلاً من الخلافات الداخلية حول أوروبا، ولتذكروا جون ميجر، رئيس الوزراء البريطاني المحافظ الأسبق، ووصفه الفصيل الداخلي المناوئ للاتحاد الأوروبي في الحزب في عام 1993 بـ«الأوغاد». ومن المتوقع أن يشهد الحزب ذات الانقسام حول ذات القضية مرة أخرى.
وفي خطاب السيدة ماي المقبل، فإنها في حاجة إلى القضاء، وبشكل قاطع، على الاتهام بـ«التفكير المشوش» الذي وجهه إليها سفير بريطانيا لدى الاتحاد الأوروبي المنتهية ولايته، السير إيفان روجرز، في وقت مبكر من الشهر الحالي. يستحق جمهور الناخبين، وبقية دول الاتحاد الأوروبي شيئًا أفضل من مجرد التصريحات الغامضة الفضفاضة للغاية والمتاحة في المجال العام؛ حتى وإن كان ذلك يعني بسط القول بالتفاصيل حول الموقف المتشدد المتخذ لديها الذي يثير القلق والمخاوف لدى أولئك الذين يخشون من العواقب الاقتصادية المترتبة على عملية الطلاق الأوروبية العدائية المنتظرة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»