سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

رسميًا: اسم الإعصار

ها نحن ندلف اليوم نحو عالم مختلف. الأرجح، أكثر قلقًا. وطوال العام الماضي ودونالد ترامب يقدّم عيِّنات عن العالم المقبل: جدار مع المكسيك، تحية قلبية لبريطانيا الخارجة من أوروبا، العار على ألمانيا التي تفتح الباب أمام مليون لاجئ. حدث ذلك مع بدء الاستعراض الضوئي لمؤتمر «العولمة» في دافوس. وعشية هذا التجمع، أصدرت مؤسسة «أوكسفام» بيانًا يقول إن 8 أثرياء يملكون ما يساوي أملاك 50 في المائة من سكان الأرض.
وهذا الكلام الصحيح ليس عادلاً أبدًا. فمعظم الثمانية المشار إليهم رجال صنعوا ثرواتهم بالعلم والعمل والتميّز، وليس بالاحتكار والتحايل والظلم. وارن بافت كان بائع ملابس داخلية، وبيل غيتس عبقري كان مفلسًا، وكارلوس سليم ابن مهاجر بسيط، وصاحب «زارا» خياط إسباني بسيط عرف كيف يتفوق على صناعة الثياب الباهرة في العالم.
لم يخدع الثمانية أحدًا. وأكثرهم بالتبرع لفقراء العالم بمئات الملايين. وقد شكل بافت وغيتس «جمعية» انضم إليها مئات الموسرين من أجل تأدية الأعمال والمساعدات الاجتماعية. أما مؤسسا «دافوس»، فقد اكتفيا بالتبرع لنفسيهما. ووزعا على العالم بيانات وخطبًا لا تدوم أكثر من مدة المنتدى. وأكبر المخدوعين في المؤتمر كان العرب الذين صوتوا بأن المؤتمر طريق فرعي إلى قضاياهم، فاكتشفوا أنه طريق رئيسي إلى قضايا غيرهم.
ليس «دافوس» المسؤول طبعًا عن إخفاق العولمة، لكنه كان مظهرًا مسيئًا من مظاهرها. وأعطى الانطباع لفقراء العالم بأنه تجمع رئيسي تتفرع عنه صفقات ليس بينها قضايا الشعوب، ولا همومهم، ولا حتى أخذ وجودهم في الاعتبار. وشعر البعض بالخيبة العميقة، مثل الرئيس حسني مبارك، الذي كان يسافر من أجل ازدهار مصر إلى أي مكان. وسوف تحل المؤسسات الإنسانية الدولية مثل «أوكسفام» والمئات غيرها، محل الاستعراضات المتكررة التي لم تؤدّ إلى أي نفع إنساني خلال نصف قرن. والمؤسف أن دعاوى ودعوات ترامب سوف تساهم في نشر الأنانيات والأثرة. وسوف نسمع غدًا أن فقراء أميركا أحق بالمساعدة من ضحايا الفيضانات في بنغلاديش. وينتشر الآن في بريطانيا شعور بالعداء، ليس ضد الآسيويين والأفارقة، بل ضد البولنديين والسويديين. النزعة الانعزالية تنمو من جديد، بفعل تأثيرات كثيرة، أهمها الوباء الإرهابي وتيارات التفكك وعودة العصبيات القومية.
لكن الأكثر خطرًا وتأثيرًا يظل التيار القادم من الولايات المتحدة. تنصيب ترامب يشبه تنصيب إعصار. وبما أن للأعاصير أسماء في أميركا، فالاسم ترامب... دونالد ترامب.