محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

طرب وكرب

سؤالي هذا الأسبوع هو: لماذا يتحلّق معظم الناس حول البرامج التلفزيونية السطحية، التي كثير منها سخيف أيضًا، وليس حول برامج ثقافية أو فنية هادفة؟
طبعًا، يتحلّقون أيضًا حول نشرات الأخبار وبرامج الرياضة والبرامج الدينية، وكل ذلك طبيعي ومقبول لأن المشاهدين، أينما كانوا حول العالم، فئات؛ لكل منها اهتماماتها الأولى والثانية. لكن البرامج المسمّاة بالترفيهية لها وضع خاص.
نعم، لها فئتها من بين المشاهدين، وهي فئة غالبة، لكنها تستبعد مباشرة أي دخيل عليها. مثلاً، المثقفون وأصحاب المهن الإعلامية والمناصب الرسمية قد يهتمّون، لجانب متابعة الأخبار، بالرياضات المختلفة، وتجدهم قد تحوّلوا إلى فئات أصغر: هناك هواة كرة القدم، وهواة سباق السيارات (أو أي سباقات أخرى) وهناك هواة السباحة، وفي بريطانيا مثلاً هناك جمهور غفير لرياضة البلياردو.
ومعظم هؤلاء حجبوا أنفسهم عن متابعة برامج السهرات الغنائية لأنها، بصراحة، ليست لهم. لا تناسب قدراتهم الثقافية ومستوياتهم التعليمية أو الأدبية. لكن هؤلاء، في الوقت ذاته، ليسوا جمهور هذه البرامج الغالب وبالتالي، لا تحتاج هذه البرامج إليهم أيضًا.
لا بأس بالترفيه، لكن هل هو ترفيه صحي أم لا؟ هل ذلك المقدِّم يعرف أي شيء يتحدث عنه قبل أن يلقمه المنتج والكاتب النص؟ وهؤلاء الضيوف الذين، في المحطات الشرق أوسطية أكثر من سواها، محترفو رسم ملامح البهجة والحبور على محياهم في ابتسامات بلاستيكية صرفة، هل يستطيعون (ولو للحظات) أن يقولوا فعلاً ما في قلوبهم، أم يجدون أنه من الأسلم (والأضمن ماديًا) السباحة غير الحرّة، بما يتطلّبه الوضع من ضحكات مصطنعة وكلام هاذر والكثير من الـ«أنا» وبيع العواطف بأرخص الأسعار؟
دخلت مطعمًا لبنانيًا قبل أسابيع قليلة في بلد عربي، وجلست أنتظر الطلب. تقدّم مني النادل، وشاهدني، وأنا أتابع بلا اهتمام واحدًا من برامج الغنج الترفيهية، حيث قام أحد الضيوف بتلبية رغبة المقدّمة، وراح يغني. سألني: هل تعرف… (وذكر اسمه). في الواقع لم أكن أعرفه مطلقًا، وقلت للنادل كذلك. استعجب حتى حسبته سيطلب من الطبّاخ التوقف عن تحضير الوليمة... كيف؟ سأل.
هل من المفترض بي أن أعرفه؟ سألته. فقال: هذا المطرب رقم واحد في العالم العربي الآن.
الآن حكاية المطرب رقم واحد، ونجم النجوم وصوت الطرب أو الكرب كلها لا تعني لي شيئًا سوى محاولات إعلامية لمجاراة الشخصية وجذب جمهور القراء أو المشاهدين إليها وليس إليه. كل شيء مرتبط بالبيع. البرامج المذكورة لديها نسبة عالية جدًا من الإيرادات الإعلانية، لأن هناك نسبة عالية من الجمهور المتابع. هؤلاء، بالنسبة للمحطات التلفزيونية، أرقام يتم تداولها وتقديمها إلى شركات الإعلان التي تموّل البرنامج بالإعلانات أو لا تموّله حسب حجم الإقبال عليه.
بالتالي الجميع مشترك في اللعبة. كذلك الجمهور، بل أساسًا الجمهور. ليس المطلوب أن تكون البرامج كلها جادة، لكن المطلوب أن تكون كل البرامج صادقة، وأن يكون للثقافة وللفن نصيب كبير فيما تعرضه الشاشات لأن النجم يهوي والثقافات هي التي تستمر. وهي التي عليها أن تشغل بال القائمين على هذه المحطات، لكي تُسهِم في بناء الإنسان العربي الجديد.