خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

صفحة من غيرة الأدباء

يقول الإنجليز: ما من غيرة أشد من غيرة المرأة غير غيرة الأدباء من بعضهم بعضًا. عرفت ذلك عندما فزت بجائزة أحسن كاتب عمود قبل سنتين. وفي تاريخنا العربي سمعنا كثيرًا من مماحكات الأدباء والشعراء، كما جرى للمعري والشريف الرضي. وفي التاريخ الحديث نجد مثالاً في أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وفي العراق في الزهاوي والرصافي، وفي الجواهري والبياتي. يعطينا ابن الرومي مثلاً من ذلك. ناصب البحتري العداء. وكان مما قاله في ذلك:
ما تجزع الشاة إذا شخطت
من ألم الذبح ولا السلخ
ولا من التفصيل منكوسة
ولا من الشي أو الطبخ
لكنها تجزع من خلة
تقدح في الأحشاء بالمزخ
تشفق أن يكتب في جلدها
شعرك يا ذا القرن والكشخ
ولم يكن البحتري الشاعر الوحيد الذي هاجمه ابن الرومي. فعل ذلك في كثير من الشعراء وأهل العلم. أنفق أربعة عشر بيتًا في رسم شخصية الشاعر أبي بكر الحريثي رسمًا كاريكاتيريًا موجعًا. كان منها:
للحريثي أبي بكر غبب
وله قرنان أيضًا وذنب
فإذا ما قال إني عجم
قال قرناه جميعًا قد كذب
وإذا ما قال أنا عرب
دفعت ذاك ولم ترض العرب
وإذا ما قال إني شاعر
قيل: خذ كل شقي بالطرب
ما ترى لابن حريث حسبًا
أتراه جاء من بيض الترب
كتمته أمه آباءه
فلهذا أنكر القوم النسب
ليتها أنبته عن آبائه
فلقد صور في خلق عجب
لم تزل عرس حريث مركبًا
لجميع الناس تحني للركب
لك وجه محكم صنعته
ما ترى عقب إلا بعقب
كل يوم لك فيه نسب
زادك الرحمن في هذا التعب
أنت ما تنفك في تصحيحه
من عناء واشتغال ونصب
وفي مناسبة أخرى تعرض بشاعر آخر فقال:
وشاعر أجوع من ذيب
معشش بين أعاريب
سلته أقفر من سبسب
فيها طراز للعناكيب
ومن أظرف ما قاله ابن الرومي في غناء أحد المطربين، وكان ابن الرومي عالمًا في فنون الطرب:
وكأن جرذان المحلة كلها
في حلقه يقرضن خبزًا يابسًا!