خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

أحمد رامي وأم كلثوم

من أروع ما قيل في الغزل قصيدة أحمد شوقي عن أم كلثوم. من منا لم يسمع بهذا البيت:
سلوا كؤوس الطلا هل لامسَتْ فاها؟!
واستخبروا الراحَ هل مسَّتْ ثناياها؟!
وراح الشاعر يتحسر على أيام شبابه:
يا أم كلثوم أيام الهوى ذهبت
كالحلم.. آها لأيامِ الهوى آها
بيد أن شاعرًا آخر كان مهووسًا بحبها، وكان حبًا يتيمًا عاشه كل حياته، ألا وهو أحمد رامي. فاضطر الأحمد الآخر (شوقي) إلى مداراة صاحبه؛ فحذف اسمها عندما نشر القصيدة، فقال:
يا جارة الأيك... أيام الهوى ذهبت
كالحلم... آها لأيام الهوى آها
وكذلك عمد أمير الشعراء إلى تغيير البيت الآخر الذي يقول فيه: «سل أم كلثوم مَن بالشوق طارحها... إلخ». بحيث يصبح «حمامة الشوق من بالشوق طارحها». وكل ذلك كان احترامًا لمشاعر أحمد رامي. ولكنه لم ينفع فتعكرت العلاقة بين الشاعرين، وظل أحمد رامي غاضبًا على صاحبه. وكان أمرًا غريبًا، فشحرورة الشرق كانت عازفة عن حبهما الأعمى. وازداد أحمد رامي غضبًا وانزعاجًا بعد أن ألقى قصيدة في مدحها خلال حفل عام أقيم تكريمًا لها سنة 1932. ثم فضحته مجلة «روز اليوسف» عندما نشرت تعليقًا على القصيدة، وقالت فيه إن الشاعر سبق أن ألقى هذه القصيدة «بالذات» في مدح محمد عبد الوهاب. يا للويل! ويا لنزوات الشعراء!
لم يتمالك أحمد رامي غير أن ينظم قصيدة أخرى يبث فيها لواعجه ويعزم على عدم الاستماع لها أبدًا:
من أنتِ حتى تستبيحي عزتي
فأهين فيكِ كرامتي ودموعي
وأبيت حران الجوانب صاديًا
أصلى بنار الوجد بين ضلوعي
أعمى عن الحسن الذي هامت به
نفسي وطال إلى سناه نزوعي
وأصمّ عن نغم عشقت سماعه
أيام كان القلب غير سميع
ولكنه لا يمضي في شعره حتى يتوب إليها، ويحن لأيام تتيمه بها:
يا زهرة أنظرتها ورعيتها
وسقيت تربتها زكيَّ نجيعي
ولكن العلاقة بين الشاعر والمطربة لم تعد إلى ما كانت عليه من الصفاء، لا سيما بعد أن تزوج بامرأة أخرى لا بد أن جرحت مشاعرها في ترددها وتعاملها مع وجد الشاعر بها. ولكنه ظل على العهد فرثاها عندما بلغه نبأ وفاتها:
ما جال في خاطري أني سأرثيها
بعد الذي صغتُ من أشجى أغانيها
قد كنت أسمعها تشدو فتطربني
واليوم أسمعني أبكي وأبكيها