مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

ضحكت ثم بكيت

روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه لقي حذيفة بن اليمان فقال له: كيف أصبحتَ يا حذيفة؟، فقال: أصبحتُ أحب الفتنة وأكره الحق وأصلي بغير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء، فغضب عمر غضبًا شديدًا، وفي هذه الأثناء دخل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقال: يا أمير المؤمنين على وجهك أثر الغضب، فأخبره بما كان له مع حذيفة، فقال علي: صدق يا عمر، يحب الفتنة يعني المال والبنين لأن الله تعالى قال: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)، ويكره الحق، يعني الموت، ويصلي بغير وضوء يعني بأنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وله في الأرض ما ليس لله في السماء يعني زوجة وولدًا، فقال عمر: أصبت وأحسنت يا أبا الحسن لقد أزلت ما في قلبي عليه - انتهى.
إن حذيفة هذا يذكرني بنفسي، بل إنه يكاد يكون بالنسبة لي قدوة أسير على منوالها، ولو أن ربي رزقني بولد بعد عشرين سنة من الآن فلا شك أنني سوف أسميه (حذيفة)، حيث إن صفاته تكاد تنطبق على شخصي الضعيف.
فأنا مثله هوايتي إطلاق (بالونات الاختبار) - بمعنى أن أتلفظ أحيانًا بألفاظ صادمة وخادعة وتحتمل أكثر من معنى أو دلالة - ويستهويني منظر وتلبك من أطلق عليهم هذه البالونات كنوع من المزاح.
وأكثر ما يزعجني هو انفعال بعض الحمقى الذين لا يفهمون ولا يطيقون المزاح، فيهاجمونني بكلام يكاد يصل إلى التجريح، بل إن بعضهم هددوني برفع شكايات ضدي، على أساس أنني بكلامي قد أهدم المثل العليا، وأستخف بالمسلّمات التي تدعو إلى مكارم الأخلاق.
والعقلاء منهم عندما أشرح لهم كلامي الذي يحتمل أكثر من معنى يتفهمون، بل ويبتسمون، بل وأكثر من ذلك يقولون لي: أعد أعد أعد، وأرد عليهم قائلاً من دون أي كبرياء: كلام الحكماء لا يعاد.
هل وجدتم بالله (نرجسية) علنية أكثر من ذلك؟ إنه مرض أعاذكم الله منه.
وإذا ضاق صدري، وأحسست أني أحلق في سرب غير سربي، أنطوي على حالي وأردد بيني وبين نفسي هذه الأبيات:
ضحكت فقالوا ألا تحتشم / بكيت فقالوا ألا تبتسم
بسمت فقالوا يرائي بها / عبست فقالوا بدا ما كتم
سكت فقالوا كليل اللسان / نطقت فقالوا كثير الكلم
حلمت فقالوا صنيع الجبان / ولو كان مقتدرًا لانتقم
بسلت فقالوا لطيشٍ به / وما كان مجترئًا لو حكم
يقولون شذ إذا قلت لا / وإمعة حين وافقتهم
فأيقنت أني مهما أرد / رضا الناس لا بد من أن أذم