سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

على مـَنْ تضحك إيران؟!

هذا لا يتسق مع ذاك!
أما هذا، فهو ما قاله علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، خلال مؤتمر أمني انعقد في طهران، في الحادي عشر من الشهر الحالي!
وأما ذاك، فهو ما قاله محمد باقري، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الإيرانية، أثناء عرض عسكري ضخم أقيم في العاصمة الإيرانية، في سبتمبر (أيلول) من هذا العام، احتفالاً بذكرى مرور 36 عامًا على حرب الخليج الأولى، التي كانت قد اندلعت بين العراق وإيران، مطلع ثمانينات القرن الماضي!
قال لاريجاني إن بلاده تقترح تشكيل تكتل إقليمي اسمه «تكتل السلام الإقليمي» وإنه يمكن أن يضم بلده إلى جانب القاهرة، والرياض، وإسلام آباد، وأنقرة، وإنه سوف يقوم على أساس الإسلام، وإنه سيهدف إلى الدفاع عن القضية الفلسطينية، ومكافحة الإرهاب، وتحقيق المصالح الاقتصادية للدول الأعضاء!
ولم يتوقف الرجل عند حدود هذا الكلام!
ولكنه أضاف، حسب ما نقلت وكالة أسوشييتد برس عنه، أن الدول الخليج ودولاً إسلامية أخرى (لم يسمِها) لا بد أن تدرك أن إيران ليست عدوًا لها، وأن بلاده ترغب في حل الصراعات الإقليمية، ولا تسعى لإقامة إمبراطورية، أو فرض هيمنة في المنطقة!
من جانبي توقفت عند هذه التصريحات، وأوردتُ هنا الكثير من تفاصيلها، لسببين أساسيين؛ أولهما أن قائلها ليس من آحاد الناس في إيران، ولو كان منهم لمررتُ عليها مرور العابرين.. أما أن يكون القائل هو رئيس البرلمان الإيراني شخصيًا، فلا بد أن يؤخذ كلامه على محمل الجد تمامًا!
وأما السبب الآخر فهو أنك عندما تجرب وضع كلام لاريجاني أمام كلام باقري، الذي أشرتُ إليه في أول هذه السطور، سوف تجد نفسك أسير حيرة بالغة!.. فماذا قال باقري؟!
قال في حينه إن بلاده توظف خبراتها العسكرية في خمس دول، وإن هذه الدول هي العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وفلسطين، وإن هذه الخبرات تعود إلى حصيلة السنوات الثماني التي دامت خلالها حرب الخليج الأولى!
ضع أنت كلام هذا أمام كلام ذاك، ثم أعطني عقلك كما يقال!
كيف يمكن بالله، أن يحيط باقري المملكة مثلاً، بخبراته العسكرية الموظفة في سوريا شمالاً، وفي العراق شرقًا، وفي اليمن جنوبًا، ثم لا يجد لاريجاني حرجًا.. أي حرج.. في أن يتكلم عن تكتل سلام معها، وعن قيم إسلامية يقوم عليها هذا التكتل، بل وعن رغبة إيرانية في حل مختلف الصراعات الإقليمية، ثم عن تعفف إيراني عن التأسيس لإمبراطورية، أو حتى فرض هيمنة في المنطقة؟!
وسؤال آخر: كيف تكون القاهرة مدعوة إلى أن تكون عضوًا كامل الأركان في التكتل إياه، ثم تذهب العسكرية الإيرانية على الجانب الآخر، وباعتراف من رئيس أركان حرب القوات المسلحة الإيرانية ذاته، إلى توظيف خبراتها العسكرية في فلسطين، أي على الحدود مباشرة مع مصر؟!
قد يقال إن ذلك سوف يتم، حين يتم، دفاعًا عن قضية فلسطين التي جاء ذكرها في التكتل المدعو إليه، وسوف أطلب أنا ممن يمكن أن يقول بهذا، أو يتبنى مثل هذا المنطق، أن يدلني على «أمارة» إيرانية واحدة في هذا الاتجاه!
كل ما نطلبه من إيران أن تتفق أقوالها مع أفعالها، وألا تروج لرغبة في السلام مع الرياض - مثلاً - ثم تمد الجماعة الحوثية بصواريخ يجري تصويبها نحو منطقة مكة المكرمة، مرة، ثم نحو مدن الجنوب السعودي، مرات!.. وكل ما نطلبه منها ألا تظل تبعث برسائل الغزل السياسي إلى القاهرة، ثم يعترف رئيس أركان قواتها المسلحة، بأن بلده يوظف خبراته العسكرية في فلسطين!.. ذلك أننا لم يحدث أن رأينا هذه الخبرات العسكرية إلى الآن، موظفة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ففي أي اتجاه، إذن، يجري توظيفها؟!.. كل ما نطلبه من إيران أن يتذكر قادتها إذا ما جاءوا ليتكلموا في أي مناسبة، أن للناس عقولاً يمكن أن تعي وتميز!
لا يمكن أن يتكلم باقري لغة، ثم يتحدث لاريجاني لغة مناقضة، ثم يكون مطلوبًا منا أن نقتنع، أو أن نصدق.. لا يمكن!