يُعدّ الديك الرومي أو «تيركي»، كما هو معروف بالإنجليزية، أحد أشهر الأطباق التي تزيّن الموائد في مناسبات الأعياد؛ فهذا الطير كان الإسبان أول من حملوه معهم إلى أوروبا، بعد رحلة استكشافية قاموا بها إلى المكسيك وهم يعتقدون أنها بلاد الهند. يومها أطلقوا عليه اسم «الديك الهندي»، وصار فيما بعد متعارفًا عليه بـ«ديند» (Dinde) في أوروبا وهي كلمة مشتقة من اسم بلاد الهند بالفرنسية (L’inde).
أما أول مَن أدخله إلى الموائد الرسمية والضخمة، فهي الملكة الفرنسية - الإيطالية الأصل كاترين دي ميدسيس زوجة الملك هنري الثاني. وحصل ذلك في عام 1549 عندما أقامت مأدبة طعام لأعيان البلاد حضرها أمراء وملوك من بلدان أوروبية. فطلبت أن يتمّ طهي هذا الطير ليشكّل الطبق المفاجأة لمدعويها. وفي عام 1570 وأثناء الاحتفال بزفاف الملك شارل التاسع، تصدّر هذا الطير الأطباق الرئيسية في موائد الحفل، فشكّل حديث المدعوين لمذاقه اللذيذ وطعمه الغريب. أما أول مرة تم فيها تقديم الديك الرومي كطبق عيد الميلاد الرئيسي فكان أثناء تولي الإمبراطور الفرنسي شارل السابع زمام الحكم.
وكاد يمثّل هذا الطير الشعار الرسمي للولايات المتحدة الأميركية أثناء تولّي بنجامين فرانكلين سدّة الرئاسة الأميركية، إذ كان يتصدّر موائد الأميركيين في مناسبة «عيد الشكر»؛ فحسب إحصاءات أخيرة تبين أن 97 في المائة منهم يتناولونه كطبق رئيسي في هذه المناسبة، ويستهلكون من لحمه ما يوازي 675 مليون رطل سنويًا.
يقدّر العلماء تاريخ ظهور الديك الرومي بنحو عشرة ملايين سنة خَلَت، ومنذ عام 1947 اعتمدت في أميركا فيدرالية الديوك الرومية الأميركية، وهو تقليد سنوي يقضي بأن يقدّم للرئيس ديكين مذبوحين وآخر حيًّا لمناسبة عيد الشكر، فيصدر أمرًا بالعفو عنه ليؤخذ بعد ذلك ويعيش عمره الطبيعي في مزرعة خاصة لديوك رومية تجري عليها الدراسات والأبحاث من قبل أطباء بيطريين. وقد تابع الملايين هذا المشهد في العام الحالي، عندما أعفى الرئيس باراك أوباما عن آخر ديك رومي خلال ولايته، ضمن حفل خاص أُقيم بالمناسبة في حديقة الورد في البيت الأبيض.
حاليًا، وبعدما ذاع صيت هذا الطير في العالم أجمع، صار يشكّل في لبنان رمزًا من رموز أعياد الميلاد ورأس السنة. فيكون الطبق الرئيسي الذي تقدّمه المطاعم لزبائنها في المناسبة، فيما تتنافس الشركات العاملة في مجال تحضير الطعام على تحضيره أيام العيد ليزيّن موائد العائلات التي تمضيه مع أفرادها، فيما تتمسّك ربّات المنازل التقليديات بتحضيره بنفسها في المنزل.
يُشار إلى أنه في البداية كانت طيور الديك الرومي برية وتعيش في مجموعات بعيدة عن البشر. وتم استئناس الديك الرومي من قبائل الهنود الحمر بداية من عام 800 قبل الميلاد. وكان أهم استخدام لهذه الطيور هو من أجل ريشها المزخرف. وهناك ست سلالات من الديك الرومي تختلف قليلاً في حجمها وشكلها.
وتحول استخدام الديك الرومي إلى طعام بداية من عام 1100 بعد الميلاد أيضًا من القبائل الهندية الأميركية. وبالمقارنة مع الديوك البرية كانت الطيور المستأنسة أكبر حجمًا وأفضل مظهرًا.
وفي بريطانيا، يُنسب حضور الديك الرومي من أميركا إليها مباشرة إلى البحار البريطاني ويليام ستريكلاند في عام 1550. وحصل بفضل ذلك على وسام ملكي عليه صورة الديك الرومي. وكان الإسبان قد سبقوه بإحضار الديك الرومي إلى إسبانيا في عام 1519. وقد اكتسب الطائر اسم «تركي» لأنه، في نظرية أخرى، كان يشبه طائرًا أفريقيًا مماثلا يأتي إلى أوروبا من الإمبراطورية العثمانية في القرون الوسطى.
وفي القرن التاسع عشر كان الديك الرومي يعد من أنواع الطعام الفاخر التي يحظى بها فقط عِلية القوم وفي المناسبات الكبرى فقط، أما اللحوم السائدة فكانت الإوز والأبقار. وفي روايات تشارلز ديكنز كان الفقراء في إنجلترا يتناولون الإوز في أعياد الكريسماس لعدم قدرتهم على شراء طيور الديك الرومي التقليدية. وفي تلك الحقبة كانت قطعان الديك الرومي تساق إلى أسواق لندن من المقاطعات الشمالية لكي يتم بيعها قبل أعياد الكريسماس كل عام.
وتشتهر عدة مناطق أميركية بمزارع تربية الديك الرومي بينما تشتهر منطقة نورفولك البريطانية بمنشأ صناعة بيع طيور الديك الرومي المعدة للطهي في أعياد الكريسماس. وتتم تربية الديك الرومي في الغرب تجاريا على نطاق واسع نظرا لتدني التكلفة بالمقارنة إلى كمية اللحوم المنتجة. ويفضل تربية الديك الرومي أبيض الريش تجاريا بينما الأنواع القروية المتاحة للاستهلاك تشمل طيورا ذات ريش أسود أو ذهبي اللون.
وتتم الآن تربية الديك الرومي على نطاق صناعي مما أسهم في انخفاض الأسعار وانتشار الاستهلاك. كذلك أسهم نشاط التبريد والتجميد على وجود طيور الديك الرومي للاستهلاك على مدار العام.
الديك الرومي كاد يكون رمزًا لأميركا في عهد بنجامين فرانكلين
يشكّل طبقًا أساسيًا في الأعياد
الديك الرومي كاد يكون رمزًا لأميركا في عهد بنجامين فرانكلين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة