عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

هل سيفهم ترامب تعقيدات حرب الإرهاب؟

بعد رصد طويل لتصريحاته ومواقفه لم تعد لدي شكوك في محدودية فهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لتعقيدات ظاهرة الإرهاب والحرب المطلوبة لدحرها، وليس لدي أمل كبير في أنه يمكن أن يعدل في نهجه الذي اتبعه في حملاته الانتخابية في الربط بين الإرهاب والإسلام. فهو في كل تصريحاته حتى الآن لا يرى حرب الإرهاب إلا من منظور واحد، وهو أنها حرب ضد جماعات «الإسلام الراديكالي»، وأنه لا حل إلا «باجتثاثها» بالقوة العسكرية، وبإجراءات تضع المسلمين كلهم تحت دائرة الشك. الأدهى من ذلك، أنه وعددًا من مستشاريه المقربين استخدموا تعبيرات وتوصيفات تعتبر «الإرهاب الإسلامي» ظاهرة موجهة ضد القيم المسيحية والحضارة الغربية، ناسيا أو متناسيا أن المسلمين أيضًا يكتوون بنيران الإرهاب، بل هم أكبر ضحاياه بكل المقاييس والمعايير.
ردود الفعل على الأحداث الإرهابية التي وقعت في برلين وأنقرة وزيوريخ في يوم واحد (الاثنين الماضي) تؤكد لنا أننا مقبلون على فترة صعبة مع إدارة الرئيس الأميركي المقبل، وأن العلاقات مع المسلمين والعالم الإسلامي على وجه الخصوص ستكون عرضة للكثير من الضغوط والتوترات. ففي ردود الفعل الصادرة عنه شذ ترامب عن موقف كثير من القيادات الغربية، وتبنى إزاء العملية الإرهابية في برلين تحديدًا لغة قريبة من اللغة التي تبنتها أحزاب اليمين الأوروبي المتطرف التي لا تخفي عداءها للإسلام والمسلمين، ولا تتردد في إعطاء صبغة دينية للحرب على الإرهاب، وتراها حربًا بين الإسلام والقيم الغربية والمسيحية.
الرئيس الأميركي المنتخب سارع كعادته إلى التغريد عبر «تويتر» للتعبير عن موقفه إزاء عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة، ثم على عملية دهس المتسوقين في برلين، ووضعهما في دائرة مصطلح «الإرهاب الإسلامي الراديكالي» الذي قال سابقًا إن إدارته ستتبناه، بعدما هاجم إدارة باراك أوباما التي ترفض إعطاء توصيفات دينية للإرهاب أو للحرب ضده، بل ترى أن النجاح في هذه الحرب يتطلب أن تكون حربًا دولية تضم الدول الإسلامية أيضًا في مواجهة عدو مشترك.
في موقفه المتسرع بدا ترامب على النقيض تمامًا من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي كانت حذرة في توجيه الاتهامات، ولم ترد الخوض في التكهنات قبل اتضاح الصورة من التحقيقات، كما لم ترد إعطاء صبغة إسلامية للفعل أو للفاعل حتى بعدما أعلن أن الشرطة اعتقلت لاجئًا باكستانيا. وعلى الرغم من أنها عبرت عن ألمها وصدمتها لو تبين أن الفاعل لاجئ ممن فتحت لهم ألمانيا أبوابها، إلا أنها شددت على أهمية الانفتاح والتعايش قائلة «إننا سنجد القوة لكي نواصل حياتنا بالطريقة التي نعيشها في ألمانيا، بحرية وانفتاح وتوحد».
موقف ميركل أثبت صحته لأن الشرطة أطلقت لاحقًا سراح الرجل الباكستاني وقالت إنها لم تجد دليلاً لإدانته. ولم يتغير موقف الحكومة الألمانية حتى بعد الإعلان أمس أن السلطات تلاحق تونسيًا مشتبها به بعد العثور على أوراق بطاقته داخل الشاحنة المختطفة التي استخدمت في الاعتداء. فالنفخ في التكهنات وفي تصعيد مشاعر العداء ضد المسلمين لن يزيد الأمور إلا سوءًا، وسيخدم المتطرفين سواء في ألمانيا أو في غيرها من الدول الأوروبية الذين يخلطون ويربطون بين ملفات الهجرة واللجوء والإرهاب والعداء للإسلام لأهداف سياسية وعنصرية، وسيخدم في الوقت ذاته الحركات الإرهابية مثل «داعش» وغيرها في دعاياتها ومساعيها للتجنيد والاستقطاب.
لهجة ترامب في إدانة جريمة برلين بدت قريبة من لهجة اليمين الأوروبي المتطرف في توصيف الأمر على أنه حرب دينية بين «الإسلام الراديكالي» والغرب المسيحي. فالرئيس الأميركي المنتخب تحدث في بيانه عن الإرهاب الراديكالي الإسلامي «والإرهابيين المسلمين الذين يذبحون المسيحيين باستمرار كجزء من جهادهم العالمي»، بينما قال حزب «البديل الألماني» اليميني المتطرف «إن الإرهاب الراديكالي الإسلامي أصابنا في قلب ألمانيا»، وإن العملية «لم تكن اعتداء على حريتنا وطريقة حياتنا فحسب، بل أيضًا على تقاليدنا المسيحية».
في هذا الإطار أيضًا نشر غيرت فيلدرز زعيم «حزب الحرية» الهولندي المتطرف صورة للمستشارة الألمانية وقد لُطخت يداها بالدماء، ووصف ضحايا هجوم برلين بأنهم «قتلى ميركل». وشن بعد ذلك هجومًا على من وصفهم «بالزعماء الجبناء» في الاتحاد الأوروبي الذين قال إنهم مسؤولون عن «تسونامي الإرهاب الإسلامي».
هذه المواقف المتطرفة تسهم في تصعيد موجات العداء ضد المهاجرين والمسلمين على وجه الخصوص، وهو ما ينعكس في تزايد الاعتداءات على المسلمين، الذي في إطاره يندرج الاعتداء المسلح على مسجد زيوريخ. ترامب الذي أورد في إحدى تغريداته يوم الاثنين الماضي هذا الاعتداء ضمن إشارته إلى الإرهاب في أنقرة وبرلين، صمت عنه بعد ذلك. فالرسالة التي لا يريد الرئيس الأميركي المنتخب التوقف أمامها هي أن الإرهاب لا يفرق، وأن المسلمين أيضًا من ضحاياه، وأن الحرب ضده حرب كونية لا يمكن كسبها من دون تعاون مع العالم الإسلامي.