خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

فكر كما ترى أو فكر كما يفكر الآخرون؟

يقول المثل العربي الشائع: «كل مثل ما يعجبك والبس مثل ما يعجب الناس». ولم يقولوا وفكر مثل ما يفكر به الآخرون. ولكن فجر هذا الموضوع الشعراء الرومانطيقيون في أوائل القرن التاسع عشر. كانت العادة أن تفكر كما فكر السلف، غير أن هذه النخبة من الشعراء والفنانين قلبوا المعادلة. السائد في أسس التربية الغربية الآن الالتزام بتفكيرك الخاص عن الحياة والمجتمع ولا تلتفت لرأي الآخرين. إنهم يعتبرون ذلك فرضية الآن وأساسا لما يسمونه الفكر الحر، هذا موقف حديث العهد، وربما لا يتجاوز مداه بداية القرن التاسع عشر، أو بداية الحركة الرومانطيقية خاصة. قامت أسس هذه الحركة على رفض التراث الكلاسيكي وكل ما يمليه من أسس وقواعد قديمة يعتبرها أساسية.
تمرد الرومانطيقيون ورفضوا هذا المبدأ، دعوا بدلا من ذلك إلى الانطلاق من المشاعر والعواطف الشخصية والتفكير الذاتي، إذا لزم التفكير. كان من أعمدة هذه المدرسة الشاعر الإنجليزي برسي شيلي، كان قد أكد بصورة خاصة ضرورة الاستقلال والتفكير وتعويل كل إنسان على نظرته الخاصة في كل الأمور، بغض النظر عما يراه الآخرون أو لا يرونه. ويظهر أن شيلي قد واظب على هذا النهج حتى في حياته العملية، بما أدى إلى إيقاع زوجته بشتى المشكلات والمتاعب، وهو ما يحدث غالبا للمرأة عندما ينجرف زوجها وراء المثل والأفكار الريادية. يروي الكاتب ماثيو آرنولد حكاية طريفة على هامش ذلك، ويقول:
«لا يحدث شيء في هذه الأيام دون أن يظهر خبره عاجلا أم آجلا في الصحف والمطبوعات... ولكنني سمعت قصة من امرأة عرفت السيدة شيلي ولم يسبق لأحد أن اطلع عليها؛ كانت السيدة شيلي تبحث عن معلمة لابنها وسألت تلك المرأة عن رأيها ونصيحتها في الموضوع، أعطتها تلك المرأة النصيحة التي أصبحت شائعة ودارجة في هذه الأيام، قالت لها: أوه يا سيدتي، فتشي عن مدرسة تعلم التلاميذ أن يفكروا بأنفسهم وكما يملي عليهم تفكيرهم».
يضيف ماثيو آرنولد، فيقول: «لقد سبق لي أن حصلت على خبرة كافية من عملي مفتشا على المدارس، تخولني أن أقول إن مثل هذا الرأي هو الرأي الشائع اليوم في التربية والتعليم. وعلى كل فإنني لست في معرض التعليق على هذا الرأي، وإنما على ما قالته السيدة شيلي جوابا عن نصيحة تلك المرأة، لقد نظرت في وجهها ثم قالت لها: أوه! أبعث بابني لمدرسة تعلمه التفكير كما تملي عليه مشاعره! كلا وحق السماء. سأبحث له عن مدرسة تعلمه التفكير كما يفكر بقية الناس».
ولا شك أن زوجة الشاعر الكبير عانت وعانت من التفكير الذاتي لزوجها برسي شيلي بما يكفيها وأكثر. هذا في الواقع ما واجهته في تعليم ابني نائل، بعد مدة من تدخلي في تربيته وتعليمه، قالت لي زوجتي، «أم نايل»: يكفي هذا! دعه يتعلم مما يفعله الأولاد الآخرون.