أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

لن يحمل بناء أوباما لافتة «ترامب»

هناك مثل فارسي قديم يقول: «إذا تم وضع الحجر الأول بشكل خاطئ، فسيرتفع الجدار حتى السماء وهو مائل»، وهذا ما يحدث مع ما يُسمى بـ«الاتفاق النووي الإيراني»، الذي يزعم الرئيس باراك أوباما أنه قد توصل إليه مع ملالي طهران. لقد بدأ الأمر برمته ككذبة سياسية من أجل تشييد بناءٍ ورقيٍّ من الخداع الدبلوماسي يواجه حاليًا خطر انفضاح أمره، لأن الرجل الذي قاد ونظم عملية الاحتيال سيغادر البيت الأبيض.
أشار خليفة أوباما، دونالد ترامب، إلى أنه لن يستمر في لعبة الخداع التي قام بها الرئيس الذي سيغادر منصبه، ويعني هذا أن ما يسمى بـ«المشكلة النووية الإيرانية»، التي بدأت منذ ما يزيد على عقد من الزمان، لا تزال كما هي قائمة وبحاجة ماسّة إلى حل. يحاول أوباما، وجون كيري، الذي يشبه سانشو بانثا خادم دون كيخوت في الرواية التي تحمل الاسم نفسه، باستماتة، إثارة ضباب من الارتباك والغموض يمكن تحت ستاره الخروج من هذا الوضع، مع استمرار الادعاء بأن ما حدث كان انتصارًا دبلوماسيًا عظيمًا، وترك خَلْيفتيهما أمام مهمة نزع فتيل القنبلة الموقوتة.
من جانبهم، يحاول أيضًا الرئيس الإيراني حسن روحاني، و«صبية نيويورك» التابعون له الحيلولة دون انكشاف أمر هذا الاتفاق، على الأقل حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية في إيران خلال الربيع المقبل. كذلك يحاولون تقديم علي خامنئي، المرشد الأعلى، كشريك في عملية الخداع رغم تحذيره مرارًا وتكرارًا من «الترتيبات المتعجلة وغير محددة الملامح». ومثلما يحاول روحاني توريط خامنئي، الذي قام هو بخداعه مع «صبية نيويورك» أيضًا، يحاول أوباما وضع لافتة «ترامب» على بنائه.
خلال اجتماعه مع الرئيس المنتخَب خلال الشهر الماضي، قضى أوباما نصف الوقت في محاولة إقناع ترامب بـ«الاتفاق النووي» المزعوم. وأوضح أوباما ذلك خلال مقابلة طويلة نشرتها مجلة «نيويوركر» في 28 نوفمبر (تشرين الثاني). وقد أقرّ أوباما في هذه المقابلة بأن «الاتفاق» لم يغير «بعضًا من تصرفات إيران المزعجة البغيضة»، مشيرًا في الوقت ذاته إلى سببين يدفعان ترامب إلى الإبقاء على «الاتفاق»؛ أحدهما هو ما وصفه بأنه «إثبات تطول مدته عن العام» دون أن يحدد طبيعته، أو سياقه. لا يمكن أن يكون ما يعنيه هو أي «إثبات» قدمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي ذكرت خلال الشهر الماضي أن إيران قد تجاوزت الحدود الموضوعة الخاصة بتراكم «الماء الثقيل».
في كل الأحوال، الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليست في موقع يخول لها تأكيد التزام طهران الكامل بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ناهيك بالقرارات السبعة الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي رفضتها طهران جميعًا، ولم تعترف بها.
خلال العام الماضي لم يتم السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم موافقة إيران عليهم، بحذر، بعد التأكد من عدم وجود مواطنين من دول «معادية» بينهم، مثل الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وكندا، إلا بدخول ستة مراكز نووية من أصل 32 مركزًا نوويًا. ويؤكد مسؤولون إيرانيون باستمرار أن «اتفاق» أوباما لم يُحدِث أي فرق في المشروع النووي. وقال علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية: «كل ما فعلناه هو الموافقة على عدم القيام بما لم نكن نرغب في القيام به، ولم نكن لنفعله، ولا نستطيع القيام به بالأساس. سيكتمل مشروعنا في لمح البصر».
وكذب روحاني من جانبه على الإيرانيين بقوله لهم إنه «سيتم رفع كل العقوبات» يوم إبرام «الاتفاق»، والحقيقة هي أنه لم يتم رفع أي عقوبة رغم أنه تم إيقاف تطبيق بعضها بموجب قرار رئاسي من أوباما.
«الإثبات» الثاني، الذي أشار إليه أوباما، كان «اعتراف الجيش الإسرائيلي ودائرة الاستخبارات الإسرائيلية، كما هو مفترض، بفعالية الاتفاق ونجاحه». ويعد هذا كثيرًا بالنسبة إلى رجل ظل يزعم لسنوات أن الإسرائيليين كانوا يحاولون «تضليل الرأي» بشأن طموحات إيران النووية. لا يشير أوباما إلى مكونات «تلك الدائرة»، ولا السبب وراء تمتُّعها بسلطة الموافقة على السياسات الأميركية، أو رفضها. كذلك من المثير للاهتمام أن نرى رئيس الولايات المتحدة الأميركية غير قادر على الإشارة إلى «الأجهزة العسكرية والاستخباراتية» لبلاده دعمًا لعمله الجنوني الدبلوماسي.
أخيرًا يزعم أوباما أن «الاتفاق» يعني أن إيران لا تمتلك الآن قدرة على تصنيع سلاح نووي «في غضون فترة قصيرة». ويمكن تفنيد هذيان أوباما؛ فكيف يمكن لتلك الفترة أن تكون قصيرة؟ فما مدى قصر الفترة التي يمكن خلالها امتلاك قدرة على تصنيع قنبلة نووية؟ بعد نسج كل خيوط هذه الخدعة، يجعل أوباما هذه العملية تشبه عملية بيع يقوم بها بائع متجول لزيت «الساكي». إنه يقول: «بالنظر إلى هذا الإثبات، لا أعتقد أنه من المستحيل على قادة الحزب الجمهوري القول: انظروا لقد غادر أوباما المنصب.. هذا ليس أمرًا تتوق قاعدتنا الشعبية إلى نقضه وإلغائه، لذا ربما من الأفضل عدم المساس به».
بعبارة أخرى، قد يدعم الجمهوريون، والرئيس ترامب تحديدًا، الرواية الخيالية التي قام أوباما بتأليفها وفرضها على العالم، ويصبحون شركاء له في عملية الخداع. وبدلاً من الغش في المسألة النووية الإيرانية، ينبغي أن يحاول العالم العثور على حل حقيقي للمشكلة يكون لصالح كل من الشعب الإيراني والعالم.
أول خطوة في هذا الاتجاه هي تقبل حقيقة أن المشكلة لا تزال قائمة، وأن «الاتفاق» الذي يحاول أوباما باستماتة إقناع ترامب به غير موجود إلا في خياله فقط. والخطوة الثانية هي كشف عملية الخداع الضخمة هذه. ما من وجود قانوني لمجموعة الدول الخمس زائد واحد، التي من المفترض أنها تفاوضت على الاتفاق مع طهران، وليس لها أي سلطة أو صلاحية لعقد أي اتفاق، وهي ليست مسؤولة أمام أي أحد. أما الخطوة الثالثة فهي توضيح أنه لم يوقّع أي طرف على أي شيء، وأن هناك نسخًا كثيرة مليئة بالتناقضات لما يُسمَّى بخطة العمل المشتركة الشاملة، وهو بيان صحافي تم نشره العام الماضي في ولاية لويزيانا. الخطوة الرابعة هي نشر كل المذكرات السرية، والأوراق الإضافية المرتبطة بهذا الاتفاق الغامض، وهو ما وعد به الرئيس المنتخب ترامب. بمجرد تقوض وانهيار بناء أوباما، يمكن للمرء بدء عملية قائمة على الشفافية، والنية الطيبة الصادقة، والقانون الدولي. وتقدم القرارات السبعة، التي أصدرها مجلس الأمن، إطارًا ممتازًا لمثل هذه العملية، فهي تطلب من إيران القيام بعدة أمور في مقابلها يقوم المجتمع الدولي باتخاذ خطوات لصالح طهران. وينبغي على ترامب تفادي الوقوع في فخ تصوير هذه المشكلة على أنها مشكلة بين إيران والولايات المتحدة فحسب، فهي مشكلة إيران مع المجتمع الدولي بأكمله. ومن المؤكد أن على الولايات المتحدة الاضطلاع بدور قيادي في أي عملية تنشأ عن هذا، لكن ليس على طريقة أوباما في عقد اتفاقيات غريبة ضبابية.