أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

من تداعيات غموض نص الاتفاق النووي

الرئيس باراك أوباما، الذي يوشك على الرحيل من البيت الأبيض، بصدد التوقيع على قرار الكونغرس الذي صوّت عليه بالأغلبية، بتمديد العقوبات على إيران لمدة عشر سنوات.
أوباما غالبا سيوقع على القرار، لأن الكونغرس بحجرتيه؛ مجلس الشيوخ والنواب، أقره بالأغلبية. ويا للمفارقة أن صاحب فكرة المشروع إليوت إنغل، ديمقراطي من نيويورك، وأبرز نائب ديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية، وقد عمل مع زميل من الحزب الجمهوري في اللجنة نفسها لحصد الموافقة على القرار.
وتأتي الموافقة من الحزبين بهذه الأغلبية الكبيرة إشارة إلى أن المشرّعين وبصرف النظر عمّن يكون رجل البيت الأبيض، لديهم رؤية موحدة حول العنوان الرئيسي وهو أن إيران تشكل خطرا مباشرا وغير مباشر على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والشرق الأوسط.
الجدل الحاصل اليوم حول إن كانت هذه العقوبات تعتبر خرقا للاتفاق النووي كما تدعي إيران أم لا، فالمسألة فيها نظر. الغرب يؤكد ألا انتهاك للاتفاق، والإيرانيون يهددون بأنهم سيهدمون مبنى الاتفاق رأسا على عقب. إيران بطبيعتها التي نعرفها تراوغ، تلتف حول الحقيقة، مستغلة غموض نص الاتفاق النووي فيما يتعلق بتجاربها على الصواريخ الباليستية، حيث إن طهران، تدّعي أن نص الاتفاق لا يلزمها بوقف أنشطتها المتعلقة بالصواريخ الباليستية، بل «يناشدها»! كما ذكر النص حرفيا في نسخته الإنجليزية. وهذه دعوة وليست أمرا ملزما، كما تصر إيران ومعها روسيا والصين، ولهذا بدأت بالمراوغة وتضليل الرأي العام بأن الصواريخ التي تطورها لا تستطيع حمل رؤوس نووية، وحتى لو كانت تستطيع حملها فمن أين لها بالرؤوس والأنشطة النووية متوقفة، بحسب الاتفاق الدولي! ولهذه السبب، أي عدم وضوح النص بإلزام إيران بوقف أنشطتها حول الصواريخ الباليستية، احتارت الولايات المتحدة والأوروبيون حول ما إن كانت تجارب إيران في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، ثم مارس (آذار) 2016 على صواريخ باليستية مداها يصل حتى 1700 كيلومتر تعتبر خرقا للاتفاق النووي أم لا، حتى إن صحيفة «نيويورك تايمز» ذكرت حينها أن الموقف غير واضح، ويحتاج تفسيرا للنص. وحينما شكا خصوم إيران العام الماضي بأنها تطور سلاحا يحمل رؤوسا نووية، قالت إيران إنها لم تنتهك الاتفاق النووي، وكان الغرب والخليجيون يصرون أنه انتهاك.
بالعودة إلى قراءة نص الاتفاقية النووية الدولية، فإن نص المناشدة لا يلزم إيران، وكما قال بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة فإن إيران بهذه الأنشطة انتهكت (روح الاتفاقية)، ولم يقل نصها.
هذا التسلسل من التحليل يوضح لنا أمرين مهمين؛ الأول أن الرئيس المنتخب دونالد ترمب لا علاقة له عمليا بالقرار الجديد بتمديد العقوبات، فهو من صنيع الكونغرس، فكرته بدأت مع الديمقراطيين وتعززت بموافقة الحزبين. الأمر الثاني أن الاتفاق النووي لم يذكر صراحة إلزام إيران بمنع أنشطتها المتعلقة بالصواريخ الباليستية، بل كانت بمثابة مناشدة أو دعوة! باختصار، إيران لم تخرق الاتفاق النووي بهذه التجارب.
فمن أين إذن جاءت هذه العقوبة الجديدة؟ مشروع تمديد العقوبات على إيران بني على انتهاكها لقرار مجلس الأمن رقم 1929 الصادر في العام 2010 الذي يحظر عليها القيام بأي نشاط أو تجارب متعلقة بالصواريخ الباليستية، صيغة العقوبة جاءت من خلال تمديد عقوبة صدرت عام 1996 ضد إيران تتعلق بالاستثمارات في قطاع الطاقة لعرقلة سعيها في الحصول على أسلحة نووية، وهذه العقوبة كانت ستنقضي نهاية ديسمبر (كانون الأول) هذا العام 2016، وكل ما حصل هو تمديد لها لعشر سنوات قادمة، في رسالة واضحة أن الولايات المتحدة لديها كثير من الأوراق يمكنها استخدامها لفرض مزيد من العقوبات دون المساس بنص الاتفاق النووي.
هذا يعني أن تهديدات إيران بأنها سترد على هذا الانتهاك للاتفاق النووي هي مجرد ألاعيب وذر للرماد، فمثلما أن تجاربها الباليستية ليست انتهاكا لنص الاتفاق، فإن العقوبات الأخيرة ضدها أيضا ليست انتهاكا للنص..
أيضا أقر مجلس النواب مع هذا القانون وبأغلبية ساحقة قانون عقوبات سمي «قانون قيصر للحماية المدنية بسوريا»، تكريما لمصور سوري معروف باسم «قيصر»، أدلى بشهادته أمام لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية قبل عامين، وقدم خلالها أكثر من 55 ألف صورة حول تعذيب نظام الأسد للمدنيين السوريين. هذا القانون يفرض عقوبات جديدة على نظام الأسد وأي كيان يتعامل أو يمول الحكومة السورية أو جيشها أو استخباراتها العسكرية، ما يعني أنه يشمل روسيا وإيران.
عمليا هذه الأحداث تعود بنا إلى الموقف الخليجي من الاتفاق النووي والذي عبرت عنه القيادات الخليجية في كامب ديفيد في لقائهم مع باراك أوباما في مايو (أيار) 2015، أي قبل نحو شهرين من توقيع الاتفاق، بأن مأخذهم عليه أنه لا يردع إيران عن ممارساتها الاستفزازية وزعزعتها للاستقرار في المنطقة، وهذا صحيح كما شرحت في أول المقال، ولكن أيضا التعامل مع إيران ليس محصورا على باب الاتفاق النووي، هناك أبواب عديدة وربما جديدة يمكن الدخول من خلالها والاستعانة بها لمزيد من الضغوط.
كل ما كان يطلبه الخليجيون من إدارة أوباما ضمانات تردع إيران في محاولاتها لدعم الإرهاب وتمويله، أو زعزعة أمن المنطقة، وهذا عمليا ما حصل اليوم وخلال مرحلة بينية، لا هي مرحلة أوباما ولا ترامب. هذا أمر يدعو للتفاؤل، كون المشرّعين بكامل أصواتهم تقريبا يعتقدون أن إيران تستحق العقوبة، وبأنها مصدر خطر على السلم العالمي، بغض النظر عن الاتفاق النووي.
[email protected]