الخس.. تاريخ فرعوني طويل من الخصوبة والنوم

من أشهر وأغرب النباتات الورقية

الخس.. تاريخ فرعوني طويل من الخصوبة والنوم
TT

الخس.. تاريخ فرعوني طويل من الخصوبة والنوم

الخس.. تاريخ فرعوني طويل من الخصوبة والنوم

الخس من أشهر الخضراوات الورقية، أو النباتات العشبية، وأغربها على الإطلاق لأنه بسيط جدًا، ونبات قوي يتحمل البرد، ويمكن أن يعيش في أي نوع من أنواع التربة، ويصعب تخيل فوائده الجمة على الصعيد الصحي.
بدأت عملية زراعة الخس وتحصيله على نطاق واسع في مصر القديمة أيام الفراعنة، قبل 4500 سنة قبل الميلاد، كما تشير رسوم ونقوش وآثار بذوره وأوراقه الموجودة الممثلة لإله الخصب في الأقصر.
وكانت أول عمليات زراعته «بغرض استخراج الزيت من بذوره». وعلى الأرجح، وكما تشير الموسوعة الحرة، فإن الفراعنة زرعوه «انتقائيًا لتحويله إلى نباتٍ ذي أوراق صالحةٍ للأكل.. وقد أصبح الخس عندهم نباتًا مقدسًا لإله التكاثر مين، إذ كانوا يحملون أوراق الخس خلال احتفالاته، ويضعونها بجانب تماثيله»، كما يؤكد قاموس روتليدج الخاص بالآلهة المصرية. وقد أدت كثرة استعماله في الأعياد الدينية إلى نحت كثير من الصور له على القبور، ورسمه على الجدران. ويبدو أن طول النوع الذي كان يزرعه قدماء المصريّين من الخس بلغ نحو 76 سنتيمترًا، وهو يشبه نوعًا كبيرًا من الخس الروماني الحديث. وقد كان المصريون هم من توصلوا إلى هذا الخس بالأصل، ثم أخذه عنهُمُ الإغريق الذين نقلوه بدورهم إلى الرومان. ووصف المزارع الروماني كولوميلا في نحو سنة 50م عدة أنواع من الخسّ، ربَّما كان بعضها أسلافًا للخس الحديث.
وعوضًا عن أهمية الخصب، كان الخس مهمًا جدًا لدى الفراعنة لأهميته الطبية، إذ كان يستخدم - كما تشير البرديات الطبية - في «وصْفات كثيرة لاستخدام الخس في علاج قتل الدود، وضد التخمة، ووجع الخاصرتين، والنزلة الحادة، والتهاب الأصابع والحروق، والنقرس، والأرق، والبدانة. ويعتبر منبهًا للقدرة الجنسية، ومساعدًا في عملية الهضم»، أضف إلى ذلك فائدته الجمة للمخ والجهاز العصبي والرئتين.
وقد أشار الطبيب اليوناني المعروف أبقراط في القرن الرابع قبل الميلاد، وكثير من أطباء اليونان القديمة، إلى هذه الأهمية الطبية المتعددة لنبتة الخس.
كما كان الطبيب والصيدلاني والنباتي اليوناني بيدانيوس دديوسكريديس الذي كان جراحًا لدى الجيوش الرومانية، يستخدمه لتهدئة الأعصاب، وترخية العضلات المتشجنة، ولا عجب إذ إن الإغريق كانوا يزرعون ثلاثة أنواع منه.
وتشير المعلومات التاريخية إلى أن الإمبراطور الروماني أغسطس استخدم الخس، وبالتحديد عصيره، للتخلص من مرض الكبد الذي كان يعاني منه، ولهذا نصب تماثلاً خاصًا له تقديرًا لقيمته واحترامًا له.
وكان الرومان يطبخون أوراق الخس، ويضيفون إليه زيت الزيتون والخل، ويتناولون الأوراق الصغيرة خضراء نيئة، ومن هنا جاء التقليد الحالي والحديث بتناول سلطة الخس قبل الوجبة الرئيسية، كما كان الرومان يخلطون الخس بالسمك والبيض.
ومن المعروف أن الرومان كانوا يتناولون الخس خلال الوجبة أو الوليمة ليساعدهم على الهضم، وكان يتم ذلك في نهاية الوجبة فيستسلموا للنوم بسهولة، إذ اعتقدوا بوجود مادة شبيهة بالأفيون فيه.
ولهذا السبب، كان الإمبراطور دومتيان يستخدمه لغايات التعذيب، فيقدمه في بداية الوليمة، ويعذب مدعويه ببقائهم مستيقظين بحضوره.
وبجري الحديث هنا بالطبع عن مادة «لاكتوكاريوم» Lactucarium، وهى السائل اللبني الأبيض الذي يفرزه قاع جذع النبتة، وتعرف هذه المادة باسم «أفيون الخس» lettuce opium، لخصائصه المسكنة، وقدرته على تعزيز الإحساس الخفيف بالنشوة، ولذا يلجأ البعض إلى تكثيفه وتدخينه لهذه الغاية.
وبسبب هذه المادة، أطلق على الخس اسم «عشب الفلاسفة» أو «عشب الحكمة».
وقد استخدمت المادة هذه من قبل الفراعنة قديمًا، ودخلت قاموس الأدوية في الولايات المتحدة الأميركية نهاية القرن الثامن عشر، واستخدمها البولنديون في القرن التاسع عشر، واعتبروها بديلاً عن الأفيون لأنها لا تحدث أعراضًا جانبية. وفي بداية العقد الثاني من القرن العشرين، استخدم البريطانيون المادة لعلاج الكحة والسهاد. ومع هذا، فقد أكدت عدة دراسات حديثة في أربعينات القرن الماضي عدم فعالية المادة، وعدم جدواها، واعتبروا تأثيرها خرافة لا تستحق الانتباه.
وقد أطلق الرومان على الخس اسم «لاكتوكا» lactuca، وهو اسم مشتقٌّ من كلمة «لاك» التي تعني الحليب باللغة اللاتينية، في إشارة إلى المادة البيضاء الموجودة في ساق النبتة التي تُعرَف في الوقت الحاضر باسم «لاتيكس» latex. وكما هو معروف، فقد أصبح هذا الاسم هو الاسم العلمي لجنس الخس، وأما اسم نوع الخس، فهو «ستافيا» sativa الذي يعني باللاتينية المزروع أو المحصود. وتشكّل الكلمتان معًا اسم «الخس المزروع» العلمي باللاتينية (Lactuca sativa). وقد انتقل الاسم الروماني مع بعض التحريف إلى الفرنسية القديمة والإنجليزية الوسطى، وأخيرًا إلى اللغة الإنجليزية الحديثة. كما يوجد نوع آخر باسم «كوس» اشتق اسمه من اسم جزيرة كوس الإغريقية التي كانت مركز زراعة الخس في الإمبراطورية البيزنطية، على ما تؤكده الموسوعة الحرة.
كما تؤكد المعلومات المتوفرة أن الفرس عرفوا الخس من عام 300 للميلاد، وينقل عن الطبيب الشهير الرازي قوله عن الخس إنه يقطع العطش، ويصلح الكبد، ويمنع القيء.
وقال ابن سينا الذي استخدم بذور الخس كمخدر: «الخس سريع الهضم، إذا استعمل في وسط الشرب منع أعراض السكر.. ينفع من الأورام الحارة والحمرة طلاء، ينفع من الهذيان، نافع من العطش وحرارة المعدة والتهاباتها، تناوله بالخل فاتح للشهية، ينفع أكله من اليرقان، ويدر البول والطمث».
وفي هذا المجال، تم العثور على نقوش عدة تصور «الملك سنوسرت الأول يقدم قربان إلى الإله آمون رع، ويظهر خلفه نبات الخس، ونلاحظ ارتباط الخس بالإخصاب حين نجد العضو الذكرى للمعبود منتصبًا».
وعوضًا عن ذلك، يعرف الخس من الناحية الطبية على أنه علاج أو حامٍ من مرض سرطان المعدة لاحتوائه على حمض الفوليك، كما أكدت الدراسات الطبية الصينية.
كما أنه، على ما أكدته دراسة طبية إيطالية، مفيد للحوامل بسبب هذا الحمض، وهو فعال في مجال محاربة مرض ألزهايمر، وفيه ما يكفي من الألياف لتسكين آلام الأمعاء، إذا تم تناوله بكثرة.
والأهم من ذلك أن الخس يحارب الأكسدة، أي الشيخوخة، لاحتوائه على مادة بيتا كاروتين، وعلى فيتامينات أ وب ونسبة المياه العالية فيه، بالإضافة إلى المعادن.
ويعود الخس بفوائد جمّة على الأطفال، إذ إنه يشكل وقاية من هشاشة العظام، ويجعل حالة أسنانهم الصحية أفضل، كما أنه يُسهم بالوقاية من الإمساك، ويعمل كمرطب للجسم، ويحول دون تشكل الحصى البولية، بالإضافة إلى فائدته كمهدئ للأعصاب، وقدرته على منح البشرة نضارة أكثر، وتحسين النوم لدى الأطفال والكبار على حد سواء.
وتؤكد المعلومات المتوفرة بشكل عام أن زيت الخس يعمل على تخفيض الكوليسترول والدهون الثلاثية، ونسبة السكر في الدم، وتخفيف غازات الأمعاء، وتنشيط الدورة الدموية. كما أن من شأن عملية تدليك الجبين بعصير الخس المخلوط بماء الورد أن يساعد على التخفيف من وجع الرأس، والمساعدة على النوم الهادئ.
ويُنصح المصابون بمرض السكري بتناول الخس بحرية كاملة لأن نسبة الكربوهيدرات فيه قليلة جدًا.
وحسب الموسوعة، فإن ظهور الخس في كثير من كتابات العصور الوسطى كان بصفته عشبًا طبيًا. وقد جاء على ذكره الفيلسوفة الألمانية هايلديغارد البنجنية في كتاباتها عن الأعشاب الطبية بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر، كما ذكره أيضًا كثير من أطباء الأعشاب القدماء الآخرين، وقام الألماني جوشيم كاميراريوس في سنة 1508 بوصف الأنواع الثلاثة الأساسية من الخس الحديث، وهي: الخس الرأسي، والخس فضفاض الورق، والخس الروماني.
ويعتبر كريستوفر كولمبوس الأوروبي الأول الذي جلَبَ الخس إلى الأميركيتين، في القرن الخامس عشر الميلاديّ، وبين نهاية القرن السادس عشر ومطلع الثامن عشر «توصل الأوروبيون إلى أنواع كثيرة من الخس، ونشرت في القرنين الثامن والتاسع عشر كتب كثيرة تُعنَى بوصفها».



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».