طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

تقسيم سوريا أم تقاسمها؟

بينما رفض نظام بشار الأسد خطة اقترحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وقيل إنها مقترح تركي، لإنقاذ شرق حلب بمنحها إدارة ذاتية، حذر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت من أن «الحرب الشاملة» بسوريا قد تؤدي إلى تقسيمها، وتعزيز «داعش»، فهل نحن فعلا أمام تقسيم سوريا، أم أننا أمام عملية تقاسمها؟
منذ التدخل الروسي العسكري هناك في صيف 2015 وكثر يحذرون من خطورة تقسيم سوريا، وخصوصًا مع الحديث حينها عن «سوريا المفيدة» (المناطق العلوية والجغرافية المفيدة للنفوذ الإيراني)، وضمان استمرار تأمين خطوط إمداد «حزب الله» من إيران عبر العراق، إلى سوريا، ثم لبنان. إلا أننا الآن، وبعد عودة العلاقات التركية الروسية بتنا نشهد ملامح تقاسم للنفوذ السياسي في سوريا، أكثر من كونه تقسيمًا جغرافيًا. زوار تركيا مؤخرًا يلمسون ثقة ملحوظة في أنقرة بأن الرئيس فلاديمير بوتين هو «من يملك سوريا». والجميع اليوم يتحدث عن بوتين، والدور الروسي، بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب، وآفاق التعاون المحتملة بينهما، خصوصًا في سوريا. وهذا الحديث يسود حتى في الإعلام الإسرائيلي الذي يصور سوريا اليوم كتابعة لبوتين.
حسنًا، ماذا عن إيران؟ بكل تأكيد الأسلحة الإيرانية تتدفق لسوريا، كما القوات الإيرانية، والميليشيات الشيعية المحسوبة على طهران، لكن الملاحظ الآن هو أن من يتحدث عن الشأن السوري هم الروس، وليس الإيرانيون، وكل من يسعى للحلول دوليًا في سوريا يتحدث مع الروس، وعن دورهم، كما بات ملاحظًا مؤخرًا خفوت صوت «حزب الله» حول سوريا، وإن تحدث حسن نصر الله فحديثه غالبًا هو لحشد صفوف حزبه، وإقناعهم بضرورة الاستمرار في التورط بالدم السوري. والأمر لا يقف عند هذا الحد بالطبع، فعندما علق الأسد على فوز ترامب بالانتخابات الأميركية الأخيرة، فإنه - أي الأسد - لم يتجاهل عملية التقاسم السياسي هذه في سوريا، حيث قال الأسد عن ترامب: «إن كان سيحارب الإرهابيين فإننا سنكون حلفاء طبيعيين له في ذلك الصدد مع الروس والإيرانيين».
وهذا دليل على أن الأسد نفسه يعترف بواقع تقاسم النفوذ في سوريا اليوم بين الروس، والإيرانيين، أضف إليهم الأتراك، وخصوصًا فيما يتعلق بحلب، والمناطق الحدودية، وإن كانت الحظوة الأكبر هي للروس الذين يملكون حضورًا عسكريًا في سوريا هو الأكبر في تاريخ تدخلهم في منطقتنا.
والسؤال الآن هو: هل يؤدي تقاسم النفوذ السياسي هذا في سوريا إلى تقسيمها جغرافيًا، أم يقود إلى تمزيقها، خصوصًا أن المعركة المرتقبة سواء في العراق، أو سوريا، بعد دحر «داعش» هي الثورة، أو الانتفاضة السنية المتوقعة، حيث من الصعب أن تحكم الأغلبية السنية من قبل أقليات مدعومة من «محتل» روسي، أو إيراني، لدعم قاتل مثل الأسد؟ أعتقد أننا أقرب إلى التفتيت، بل الانهيار، وكما حدث في أفغانستان، وأتمنى أن أكون مجرد متشائم.
[email protected]