حسب مصادر مسؤولة، هناك مهرجانان جديدان سينضمان إلى الروزنامة المزدحمة من المهرجانات العربية بدءًا من العام المقبل.
أولهما مهرجان دولي يشرف عليه انتشال التميمي في منطقة الغردقة، في مصر، على أن يقام في الشهر التاسع من كل سنة.
انتشال التميمي لديه خبرة ثمينة في مجال المهرجانات السينمائية بدأت، أوروبيًا على الأقل، من خلال مهرجان روتردام للسينما العربية، واستمرت عندما استعين به لإدارة مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي. نجح في كلا المهرجانين وصاحب مهرجان أبوظبي من حين كان يتبع رئاسة أميركية أنيطت للناقد والمنشط بيتر سكارليت، إلى حين توقف المهرجان عن العمل في العام قبل الماضي عندما آلت رئاسته إلى السينمائي علي الجابري.
يقول التميمي: «المهرجان الجديد سيكون عالميًا لكنه سيقع في مدينة سياحية على البحر الأحمر فيها ما يذكر بمدينة فينيسيا. أعتقد أن هذا الموقع سيكون خير وسيلة لتقديم مهرجان خارج المدن الكبرى ولو أن الحرص سيبقى على تقديم مجموعة كبيرة من الأفلام القوية وأن ينتمي إلى الأحداث السينمائية والثقافية الرائدة في العالم العربي وخارجه». عن سبب اختيار شهر سبتمبر (أيلول) لإقامته يقول: «أي مهرجان يقام قبل مهرجان (كان) سيحترق، كذلك أي توقيت آخر لن يتيح لضيوف المهرجان الاستمتاع بالظروف الجوية المناسبة في تلك المنطقة. إنها الفترة المزدحمة من المهرجانات العربية والعالمية سيلي فينيسيا وسيلي تورنتو، لكنه سيقام في الفترة التي يقام بها سان سباستيان الذي لا يؤمه العرب عمومًا».
* تفاصيل
إنها فترة غزيرة بالفعل فالمهرجانات العربية في النصف الثاني من العام تتكاثر الصغيرة منها والمتوسطة والكبيرة. بين أبرزها بالطبع قرطاج ومراكش ودبي الذي هو أكبر مهرجانات السينما العربية قاطبة.
في هذا الوقت تستمر الاستعدادات لإطلاق الدورة الجديدة من مهرجان دبي الذي يقفل جدول المهرجانات العربية بأسرها كونه يقع في الأسبوعين الثاني والثالث من شهر ديسمبر (كانون الأول).
أما مهرجان القاهرة فإنه يبرهن، في هذه الدورة، عن ناحيتين متناقضتين. الأولى أن القائمين عليه (الرئيسة ماجدة واصف ومديره الفني يوسف شريف رزق الله) يعملان بأقصى الطاقة وبأقل الإمكانيات لإتقان فعل المهرجانات ومتطلباتها.
لكن من ناحية أخرى، هناك داء بلا دواء اسمه سوء التنظيم، خصوصًا أن هذا الوضع يشمل التفاصيل المؤثرة كما الحدث على نحو شامل. كل يوم هناك جديد تكتشفه الإدارة لم تكن انتبهت إلى حدوثه أو لم تتوقع له، أساسًا، الحدوث: النشرة اليومية التي لا تصدر كل يوم (وحين تصدر تحمل شهر أكتوبر (تشرين الأول) وليس نوفمبر (تشرين الثاني)، الكتب المليئة بالأخطاء النحوية والفارغ بعضها من المضمون الفعلي. نظام التذاكر الذي تم اعتماده للمرّة الأولى وهو نظام جيد في المبدأ باستثناء أنه لا يزال مفتقرًا إلى المرونة. العروض التي تجمع بين الجمهور بكل فئاته والنقاد عوض أن يكون للنقاد صالتهم الخاصة بأوقات معينة كشأن كل المهرجانات الدولية الأخرى.
في هذا النطاق أيضًا، لا يمكن إلا ملاحظة أنه لم يعد هناك مهرجان عربي يتم إلا بالتضارب مع موعد مهرجان آخر أو على مسافة يوم أو يومين منه. قرطاج ثم القاهرة. القاهرة ثم مراكش. مراكش ثم دبي.
وفي غضون ذلك هناك مهرجانات صغيرة تمر من تحت الرادار في المغرب والجزائر وبغداد وبيروت، من بين أخرى، بعضها لا يستحق أن يُسمّى مهرجانًا بالفعل، والبعض الآخر يستحق التسمية ويتمتع بمعرفة الكيفية الحقيقية لتقديم حدث جيد رغم الميزانية المحدودة والحجم الصغير الذي يمثله.
* مهرجان تحت الرادار
أحد هذه المهرجانات احتفل، ما بين السادس والثالث عشر من هذا الشهر بمرور 10 سنوات على ولادته. اسمه «نوتردام يونيفرسيتي إنترناشيونال فيلم فسيتفال» NDU International Film Festival في بلدة اللويزة اللبنانية. خاص بالسينما القصيرة (روائية وتسجيلية ورسوم) وقد استضاف هذه السنة أكثر من خمسين ضيفًا من 30 بلدًا تحت إدارة المؤسس سام لحود والمدير الفني جورج خباز.
إنه واحد من المهرجانات التي لا تبعث على كثير من حملات الإعلام لكنها تنجز الكثير في خانة التنظيم والإدارة وتفعيل النشاطات المناطة به.
جورج خبّاز هو الكاتب والممثل الذي شاهدنا له في العام الماضي «غدي». الأب الذي يدعي أن ولده يستطيع معرفة ما يدور في خفايا أبناء البلدة وعلى أهلها معالجة أخطائهم وخطاياهم. ابنه لا قدرة له على معرفة ما ينقله والده عنه لأن مصاب بتخلف ذهني، لكن كذبة الأب هي محاولته لإنقاذ ابنه من قرار أهل البلدة إدخاله إلى مصحة قد تسيء فهمه ومعاملته.
لدى جورج خبّاز نواة فيلم جديد قيد العمل لكي تكون الفيلم الثاني بينه وبين المخرج درة. يقول الكاتب الذي يحضر للقاهرة بوصفه عضوًا في لجنة تحكيم «آفاق السينما العربية»: «إنه موضوع عاطفي عميق أعالجه بالقدر المناسب من الكوميديا كما حال الفيلم السابق. هذا الفيلم يدور حول شخص كان قرر الانتحار ومنح نفسه ثلاثة أشهر لكي يعيش، لكنه يغير رأيه بعدما وقع في الحب. لكن مع نهاية تلك الأشهر تقع مفاجأة من الأفضل أن لا أبوح عنها الآن».
* حكايات مشتتة
على صعيد الأفلام العربية المشتركة في دورة القاهرة الحالية (الثامنة والثلاثين)، هناك - حتى الآن - القليل من الأعمال المثيرة فعليًا للإعجاب.
الغالب هو تلك الأفلام التي تخفق، في نهاية مطافها، في إنجاز ما وعدت به.
«حرائق»، في مسابقة «آفاق السينما العربية» هو فيلم سوري للمخرج المجتهد محمد عبد العزيز تم إنتاجه بتمويل من «مؤسسة السينما السورية» في دمشق التي يديرها السينمائي محمد الأحمد. المؤسسة لم تتوقف عن الإنتاج ولو أن ما تنتجه حاليًا مرهون طبعًا بالظروف الخاصة بالبلد.
لكن هذا الفيلم ليس ما كان البعض ينشد مشاهدته من أعمال، لا بالنسبة لمخرجه ولا بالنسبة لسينما لها تاريخ حافل بالأعمال الجيدة.
إنه توليفة درامية حول أربع نساء لا تعرف أي منهن الأخرى تنطلق متوازية وينتقل السرد من واحدة لأخرى على نحو شبه متساو. الأولى، من دون ترتيب هنا، هي لامرأة خرجت من سجن النساء لتجد شقيقها بالانتظار لقتلها لأنها تزوّجت ممن لم ترغب العائلة به. وهنا الفتاة الشابة الحبلى من صديقها الرسّام والريفية التي تعمل مع والدتها في مزرعة دجاج وتحب شخصًا بينما تنوي والدتها تزويجها من شخص آخر. وحكاية المرأة التي تم توظيفها لتنسف نفسها في قلب العاصمة السورية.
كل حكاية لها مقوّماتها من الأحداث التي تجمع بين المطاردة والبحث في العلاقة وبين الحب والخوف. وتلتقي معظم هذه الخيوط في قلب دمشق بعدما هربت الفتاة الريفية من المزرعة ووصلت إلى المدينة التي يصوّرها المخرج هادئة وهانئة لولا العمليات الإرهابية واحتمالاتها. المشكلة ليست في توارد هذه الحكايات بل في التشتت الذي تعاني منه ومن ثم التطويل والمط الذي يدفع بالفيلم إلى تبديد أهدافه المرصودة.
معالجة عبد العزيز تثير الإعجاب بصريًا في معظم الأوقات، لكن الأحداث المختارة. المشاهد الواردة ومن ثم اللقطات التي ترتسم لتفسير تلك التصرفات تتراكم وتثقل كاهل العمل بأسره. هناك ما هو نتاج فكرة بدت للمخرج رائعة لكنها أخفقت في إثارة المعنى المنشود: رجل يضرب رأسه بالباب. مدرّب الفتاة التي يطلب منها تفجير نفسها وهو يغادر المكان فاشلاً. المرأة التي صبت على نفسها الكازولين لحرق نفسها لكنها لم تفعل. هناك دلالات في هذه المشاهد وسواها، لكن المخرج عليه أن يتركها في منتصف الطريق لينتقل إلى حكاية أخرى. بتكرار هذا المنوال تفقد تلك المشاهد من قيمتها وتصبح مجرد عناوين مصوّرة لحالات كان يمكن للفيلم المرور عنها من دون أن يؤثر ذلك في تركيبته أو أسلوب العمل.
«حرائق»، في نهايته، هو تجربة أخرى للمخرج الذي يجتهد في سبيل أفكاره، ويعالجها مشهديًا على نحو مقبول، لكنه يخفق في تأسيس أسلوب فني لعرض حكايته بأبعد ما في كلماتها ومواقفها. التمثيل هنا من أسوأ ما مر على الشاشة السورية من أعمال، وإدارتها شكلية في الغالب.
* هجرة مؤجلة
الوضع ليس أفضل بالنسبة لفيلم مصري عنوانه «البر التاني» لعلي إدريس.
هذا الفيلم ضمن المسابقة الرئيسية ويدور، كما أصر الإعلان عنه، حول مشكلة الهجرة غير الشرعية.
من أكثر ما أصاب السينما المصرية والعربية عمومًا من ضرر يكمن فيما تم اعتباره بمثابة كلمة سحرية كافية لتمييز العمل ورفع مستواه وهي كلمة «قضايا». كل فيلم جاد يبدأ الحديث عنه بعبارة مثل «يحمل قضية اجتماعية» أو «يطرح قضايا شائكة» أو «يصوّر معاناة الناس ويطرح قضاياهم».
وحين ترى الأفلام «حاملة القضايا» لا تجد، في الغالب، سوى تلك المضامين التي تقتل الموضوع بحثًا من دون أن تحرك فيه ساكنًا. أما كيفية طرح القضايا فتأتي (إذا أتت) في آخر السياق ومن دون معالجة ترفع من قيمة المطروح أو تميّزه.
«البر التاني» هو من هذا النوع. الساعة الأولى وبعض الساعة الثانية ينقضي وهو ما زال يتحدث عن سعيد (محمد علي) وعماد (عمرو القاضي) ومجدي (محمد مهران). الثلاثة يريدون الهجرة ولا يملكون مالها ولا شروطها ويتوخون التسلل إلى «البر التاني» (إيطاليا) بقوارب غير شرعية. هذا يستمر ويتكرر حتى يحين الوقت أخيرًا إلى تفعيل الموضوع ذاته وانتقال الأحداث من القرية الريفية إلى ساحل البحر الواعد.
كان من الممكن تلخيص أوضاع الثلاثة إلى ربع ساعة لولا أن السيناريو كُتب على أساس متابعة حيثيات ومفارقات الهجرة ذاتها. هناك الكثير مما كان يمكن أن يُقال عن مراحل وتقنيات وتفاصيل السفر غير المشروع. لكن السيناريو، والإخراج بعده، أصر على التوسع في الإطار التمهيدي ذاك، مكتفيًا بتكرار الحديث عن الظروف الداعية للهجرة وما قد يتبادله سعيد ووالداه وعماد وزوجته ومجدي ووالدته. عن الفقر والحال والفشل والإخفاق وكل التداعيات الفردية والاجتماعية التي تجبر هؤلاء الضحايا على ركوب المخاطر.
يستنفد علي إدريس مادته هذه ويزيد من طحنها بثقل. ومع أن حركة الكاميرا لديه يمكن القول عنها إنها انسيابية، إلا أن فعل الإخراج ذاته ثقيل الوطأة. الحوار معاد ومكرر والعبارات ذاتها مسموعة في أفلام ومسلسلات أخرى.
الكل يبدو ملتاعًا وعن حق، تمامًا كما في «حرائق» لكن كيف يمكن تجسيد ذلك في تشكيل لغوي سليم هو ما يفتقر إليه الفيلمان.
مهرجانان جديدان ينضمان إلى روزنامة السينما العربية
غزارة التظاهرات باتت تفرض تضارب فعالياتها
مهرجانان جديدان ينضمان إلى روزنامة السينما العربية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة