إميل أمين
كاتب مصري
TT

العالم وأميركا.. هل يسقط جدار برلين ثانية؟

دفع فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية كبار العقول الاستراتيجية للحديث والاستفاضة عن المشهد الأممي عطفا على الأميركي.. إلى أين يمضي العالم وأميركا معه؟
لتكن البداية مع هنري كيسنجر الذي ينظر لفوز ترامب على أنه أساس يتيح للأميركيين قدرًا مناسبًا من التماسك بين السياسات الخارجية والداخلية، ويلفت إلى الفجوة الواضحة بين ما يتوقعه الأميركيون بشأن السياسات الخارجية وما تتوقعه النخبة.
كيسنجر لن يتواصل مع ترامب، لكنه كما فعل مع بقية الرؤساء الأميركيين لن يضنَّ عليه بخبراته إن طلبها، وعنده أنه على ترامب أن يبرز علمه بالتحديات التي سيواجهها، وأن يظهر مدى معرفته بتطور هذه التحديات.
نعوم تشومسكي عالم اللسانيات الأشهر كان هناك أيضًا، ويرى أن هذا الفوز نتاج طبيعي لانعدام ثقة معظم الأميركيين بالنظام الحاكم، الذي تحول من حالة حكم الشعب أي الديمقراطية إلى وضع حكم الأغنياء «البلوتوقراطية».
الرئيس الخامس والأربعون بحسب تشومسكي هو «حصيلة مجتمع متداعٍ وماضٍ بقوة نحو الانهيار»، كما أن جزءًا من أزمة أميركا اليوم يتصل بحقبة النيوليبرالية بداية من عصر ريغان (1981 - 1988) وحتى الساعة، فالذين صوتوا لترامب ليسوا من الفقراء أو المعدمين الأميركيين، بل إن أغلبهم من الطبقة العاملة الذين عانوا من التهميش طويلاً.
في أبريل (نيسان) 2010 عرض تشومسكي رؤية مظلمة لمستقبل الولايات المتحدة وحذر، وهو الفيلسوف والمؤرخ والناشط، من نجاح «شخصية تتمتع بالكاريزما» في القفز إلى منصب الرئيس عن طريق الوعود الديماغوغية، وهو ما جرت به المقادير بالفعل.
لا يكتمل العصف الذهني إلا عبر المرور بفرنسيس فوكوياما، الرجل الذي حاول ذات مرة مصادرة حركة الطبيعة عبر رؤيته الشمولية لـ«نهاية التاريخ«.
ينظر فوكوياما إلى ترامب بوصفه صاحب الرئاسة التي تدشن عصرًا جديدًا من القومية الشعبوية، التي يتعرض فيها النظام الليبرالي الذي أخذ في التشكل منذ خمسينات القرن العشرين للهجوم من قبل الأغلبيات الديمقراطية الغاضبة والمفعمة بالطاقة والحيوية.
وعود ترامب، بحسب المفكر الياباني الأصل الأميركي الجنسية، بأن «يعيد لأميركا مكانتها»، جعلت العمال المنضوين في النقابات المهنية، الذين كانوا قد تلقوا ضربة موجعة بسبب تراجع المشاريع الصناعية يصوتون له، مشبِّهًا ذلك بما حدث عند التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
صيحة فوكوياما الأعلى بعد فوز ترامب تتعلق بمخاوف شديدة الوقع من انزلاق العالم برمته نحو عالم من القوميات المتنافسة والغاضبة في الوقت ذاته، ويقر بأنه إذا حدث ذلك فإننا بصدد لحظة تاريخية حاسمة مثل لحظة سقوط جدار برلين عام 1989.
هل اختيار ترامب هو ثورة من قبل الأميركيين ضد ذلك الجانب من أميركا الذي نكرهه جميعًا؟
هذا ما يؤكده ألكسندر دوغين الفيلسوف والمنظِّر السياسي الروسي الأشهر الذي يمثل عقل فلاديمير بوتين ويشكِّل وعيه.
دوغين يرى أن دونالد ترامب منوط به مهمة عالمية وليست أميركية فقط، تتمثل في «تجفيف المستنقع»، الاسم الجديد لطائفة العولمة، مهرة المجتمع المنفتح، المهووسين المثليين، «جيش سورس»، وما بعد «الإنسانيين»، وغير ذلك. يدفعنا دوغين دفعًا لجهة التفكير المجهد للذهن حول الرأسمالية العالمية العابرة للحدود، وكيف باتت المحرك المادي للمستنقع، إنه الائتمان ونظام الاحتياطي الفيدرالي للبنوك، ما يصنع على حد تعبيره فواتير خضراء مسمومة.
أميركا عند الفيلسوف الأرثوذكسي المعاصر هي فضاء منتصف الليل وربما روسيا فجره، والآن هناك بوتين روسيا العظمى، كما تظهر أميركا في حالة تحرير من قبل ترامب، وكأن القرن الحادي والعشرين قد بدأ أخيرًا، وكل ما نحتاج إليه هو اللهب والنار، لهب يشعل النفوس، ونار تصفي المذاهب والآيديولوجيات.
لم تتوانَ البابوية في روما عن أن تدلو بدلوها لا سيما أن الجالس سعيدًا على كرسي مار بطرس سبق أن رأى أن تصرفات ترامب، لا سيما مواقفه غير الإنسانية تجاه المهاجرين، هي غير مسيحية بالمرة، وعليه، ذهب البابا فرانسيس إلى أنه لا يحكم على ترامب، بل يهتم فقط باللاجئين والمهاجرين وقبولهم والعطف عليهم، وقد يكون هذا هو جواز مرور ترامب إلى الفاتيكان، وما لا يعرفه الكثيرون هو أن هناك تعاونًا وثيقًا بين واشنطن والمؤسسة الرومانية الكاثوليكية وما تعجز عنه وزارة الخارجية الأميركية تنجح في تجاوزه مؤسسات البابا حول العالم، ومن صالح ترامب أن يجد له مقعدًا تحت «القبة التاريخية».
القراءات تطول والأسئلة المعلقة أكثر من الأجوبة.. هل فوز ترامب بداية انحدار وسقوط الغرب كما في مشاهد الإمبراطورية الرومانية أواخر مجدها؟ أم الأمر يقتصر على أميركا فقط ونهاية مائة عام من القيادة والريادة للعالم؟
قد يكون من المبكر الحكم.. المؤكد فقط أنه عالم ما بعد ترامب والبقية تأتي تباعًا.