عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

كيف نفهم عقلية ترامب؟

العالم كله يبدو في حيرة من أمر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وإن كان القلق هو العنوان الأبرز في كثير من التصريحات والتحليلات. فالرجل ليس لديه أي مؤهلات في مجال السياسة، ولا خبرة في مجال العمل العام، ولا سياسات واضحة تتيح التعرف على توجهاته. كشف إزاء حملاته الانتخابية عن جهل فاضح، وأثبت أنه يفتقر إلى الفهم العميق المطلوب لكثير من تعقيدات قضايا السياسة الدولية.
صحيح أنه بعد فوزه الصاعق، بدأ بعض الناس حتى في الدائرة المحيطة به يقولون إننا يجب ألا نحكم عليه بتصريحاته وشعاراته الانتخابية، ويحاولون إقناعنا بأنه واقعي، وسيدير سياسته بعقلية رجل الأعمال القادر على المساومات وعقد الصفقات.
هل يكفي هذا الكلام لطمأنتنا نحو سياسات وعقلية الرجل الذي سيدير أقوى بلد على الساحة الدولية؟
إذا أخذنا بكلام الرئيس المغادر قريبًا باراك أوباما، فإن التأثير في السياسة الأميركية لا يكون فقط من الرئيس، بل من أجهزة أخرى كثيرة من بينها الكونغرس والخارجية والمؤسسة العسكرية والاستخبارات. إلى هذه القائمة يجب أن نضيف أيضًا تأثير أصحاب المصالح وجماعات الضغط (اللوبيات)، وتأثير القوى المالية، وأجهزة الإعلام والرأي العام.
المشكلة أن ترامب لم يفز وحده في هذه الانتخابات، إذ إن الحزب الجمهوري يسيطر أيضًا على الكونغرس بمجلسيه بما يعني أن الرئيس يمكن أن يضمن إلى حد كبير تمرير معظم سياساته وأجندته. كما أن شخصية ترامب تعكس نزعة استبدادية، وعدم ثقة بالمؤسسات الرسمية، وميلاً لإحاطة نفسه بدائرة ضيقة من المقربين والأصدقاء والمعارف الذين لا يثق بغيرهم، وهؤلاء سيلعبون دورًا كبيرًا في تشكيل آرائه وفي سياساته.
الدائرة المحيطة بترامب، والتسريبات عن بعض تعييناته المتوقعة في إدارته لا تبعث على الارتياح. فبعض وجوه اليمين المتشدد والمحافظين الجدد، بدأت تطل حوله، وهناك كلام عن أنها ستؤثر عليه. من هؤلاء نيوت غينغريتش، الرئيس الأسبق لمجلس النواب والقيادي الجمهوري المتشدد، وجون بولتون، أحد صقور المحافظين الجدد، وستيف بانون، الذي عينه ترامب ليكون كبير المخططين الاستراتيجيين بالبيت الأبيض، وهو أحد أبرز قادة حركة اليمين المتطرف الصاعدة والمشرف على موقعها الإعلامي «بريتبارت نيوز». هناك أيضًا وجوه متطرفة ضمن المستشارين في فريق الأمن القومي الذين يستعين بهم ترامب وفريقه، نخص بالذكر منهم فرانك غافني، الموظف الأسبق في وزارة الدفاع أيام رونالد ريغان. فالرجل تصفه بعض الدوائر الأميركية بأنه من أسوأ المعادين للإسلام والمروجين للـ«إسلاموفوبيا».
من الشخصيات التي يتوقع لها أن تلعب دورًا مؤثرًا في الفترة المقبلة، غاريد كوشنر، زوج ابنة ترامب المفضلة إيفانكا، التي اعتنقت اليهودية بعد زواجها منه. فالاثنان سيكون لهما تأثير كبير على ترامب بحكم قربهما الشديد منه، وأشارت بعض التسريبات في الصحف الأميركية إلى أن كوشنر لعب دورًا في إبعاد بعض الشخصيات المحيطة بترامب، ومنهم كريس كريستي حاكم نيوجيرسي الذي كان يقود قبل عزله الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب.
وضمن الدائرة المؤثرة حول الرئيس هناك أيضًا رودي جولياني، عمدة نيويورك الأسبق، الذي ترشحه بعض التسريبات لتولي منصب وزير الخارجية، خصوصًا بعد خوضه في مقابلة صحافية قبل يومين في عدد من قضايا السياسة الخارجية أوضح خلالها أن تدمير «داعش» سيكون من أهم أولويات سياسة ترامب الخارجية، إضافة إلى اهتمامه بتحسين العلاقات مع روسيا. كما أشار، مثل ترامب، إلى أن الصفقة النووية مع إيران لن تلغى بل «يمكن النظر» في تعديلها.
الشرق الأوسط لن يكون بالتأكيد في قائمة اهتمامات الرئيس الجديد، إلا من منظور حرب الإرهاب، وأمن إسرائيل. صحيح أن ترامب رفض تقديم أي تفاصيل عن خطته لدحر «داعش»، إلا أن تصريحاته المتكررة توضح أنه يريد التعاون مع روسيا ولا يمانع في دعمها لنظام الأسد وتصعيدها للغارات على مواقع «داعش» و«جبهة النصرة». أما فيما يتعلق بإسرائيل فإنه يتبنى سياسة يمكن أن تقود إلى كارثة في المنطقة لو نفذت، وهي عزمه على نقل مقر السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية والاعتراف بضمها وبالقدس «عاصمة موحدة وأبدية» للدولة اليهودية. فهذه السياسة قد تلهب المنطقة وتكون لها تداعيات في العالم الإسلامي كله، كما قد تقلب الموازين في حرب الإرهاب وتصبح داعمًا أساسيا لسياسات التجنيد في منظمات التطرف والإرهاب.
الحقيقة أنه ليس هناك ما يبعث على التفاؤل أو الارتياح إزاء ترامب، خصوصًا بالنسبة للعالم العربي. فالرجل لا يرى في المنطقة سوى أنها بؤرة للمشكلات والإرهاب وكلفت أميركا تريليونات الدولارات حسب رأيه، كما لا يرى العرب إلا باعتبارهم لا يملكون شيئا غير النفط والمال ويريد أخذه منهم، كما قال.
هناك مبررات جدية للقلق، وكلما فهم العرب مبكرًا ترامب استعدوا ببدائل لحماية مصالحهم في نظام دولي يتجه نحو تغييرات كبرى ليست كلها إيجابية.