عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

فوز ترامب: الشرق الأوسط الجديد

انتخبت الولايات المتحدة الأميركية رئيسها الجديد، الرئيس دونالد ترامب، الذي سيعيد صياغة رؤية الولايات المتحدة الأميركية وسياساتها، ولهذا الحدث المهم أبعادٌ مهمةٌ وآفاقٌ متعددة.
على المستوى السياسي، فقد وصلت الولايات المتحدة الأميركية إلى حضيضٍ غير مسبوقٍ مع سياسات الرئيس الحالي باراك أوباما، وقد تغيرت قسرًا لتوالي خصومها ولتعادي حلفائها، ضمن سياسة ممنهجةٍ ورؤية واضحةٍ.
وقد أبدت إدارة أوباما أهمية أقل مما ينبغي لما تعنيه الولايات المتحدة الأميركية، ولما تعنيه مصالحها، ولما تعنيه مكانتها الدولية، وهو الأمر الذي أدى لتراجع مكانتها على المستوى الدولي، وخفوت قيمتها كدولةٍ ترعى النظام الدولي وتقوم على حمايته، وهو ما أدى بالتالي لمخاطر كبرى، من أشدها خطرًا التصالح مع امتلاك إيران للسلاح النووي من قبل أوباما، وإنما كانت المسألة في الوقت لا أكثر، وكذلك سماح أوباما لإيران بالتوسع إقليميًا والتدخل الفج والمسلح في شؤون الدول العربية في المنطقة، في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
واقعيًا، من هم أعداء الرئيس الجديد؟ إنهم باختصار حلفاء الرئيس القديم، ويتمثلون في إيران وفي جماعة الإخوان المسلمين، كيفما تشكلوا وكيفما عبروا عن أنفسهم، وقد أوضح مستشاره لشؤون الشرق الأوسط والإرهاب وليد فارس بجلاء أن ترامب لا يعادي الإسلام، بل يعادي جماعات الإرهاب، وكل المسلمين ودولهم معه في ذلك، وقد قال فارس لجريدة الأهرام، عدد يوم الاثنين الماضي 7 نوفمبر (تشرين الثاني)، ما نصه: «لكن ما صدر عنه (أي ترامب) بشكل مقتضب على تغريدات (تويتر) قوله: (أنا أريد أن أضع حدًا لدخول المسلمين)، في رد فعل على العمليات الإرهابية في أوروبا، ولكنه قصد: (أريد أن أمنع دخول الإخوان المسلمين والجماعات العقائدية المتطرفة)».
جماعة الإخوان المسلمين جماعةٌ مصنفةٌ كجماعةٍ إرهابيةٍ في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية وغيرها من البلدان، وبالتالي فهذه نقطة توافقٍ مهمةٍ يمكن البناء عليها في بناء رؤيةٍ متماسكةٍ وواضحةٍ لمشكلات الشرق الأوسط.
فيما يخص الملف الإيراني، لا النووي فحسب، بل مجمل سياسات إيران العدائية في المنطقة، ورعايتها للميليشيات الإرهابية سنيًا وشيعيًا، فيبدو أن لدى الرئيس ترامب رؤية واضحة عن كل الأدوار الهدامة التي تقودها إيران، وقد صرح أكثر من مرةٍ بأنه سيعيد النظر في الاتفاق النووي مع إيران، وقد يفرض عقوباتٍ جديدة عليها، كأحد الخيارات المطروحة أمامه.
ستتنفس المنطقة الصعداء على المستوى السياسي دون شكٍ، فالرئيس ترامب يفهم المنطقة جيدًا، ويعرف عبر حزبه ومساعديه من يمثل الخطر الحقيقي على مصالح الولايات المتحدة الأميركية أولاً، وعلى حلفائها حول العالم وفي منطقة الشرق الأوسط ثانيًا، وأهم أولئك الحلفاء دول الخليج العربية وجمهورية مصر.
المتخوفون من ترامب لا يدركون حقيقة الواقع المعيش، حيث يشكل ترامب خطرًا على الإرهاب وليس على الإسلام، خطرًا على الإخوان المسلمين لا خطرًا على المسلمين، فالمسلمون شركاؤه في كثيرٍ من استثماراته، والمسلمون يعملون في شركاته وفنادقه دون تفريقٍ، ومن المعروف أن خطابات الانتخابات تختلف دائمًا عن قرارات السياسة، فالأولى يراد منها التحشيد، والثانية تستهدف المصالح العليا.
كانت الحملة الإعلامية المعادية لانتخاب ترامب شرسة بكل المقاييس، وقد أسقط في يدها حين اختاره الناخب الأميركي، ولم تستوعب أن كل جهودها باءت بالفشل، وقد خرج أميركيون في مظاهرات يعبرون فيها عن رفضهم لانتخابه، وغطتها وسائل الإعلام بكثافةٍ، وسماها بعض الظرفاء بـ«الربيع الأميركي»، إشارة لما كان يعرف بالربيع العربي الذي بات الجميع يعرف أنه لم يكن إلا ربيعًا متطرفًا راديكاليًا بامتياز.
وعلى العموم، فسيتم الكشف أكثر عن مواقف الرئيس ترامب وسياساته بمجرد تسلمه لسدة الحكم في يناير (كانون الثاني) المقبل، وهذا لا يلغي الاستياء من بعض العبارات العنصرية أو العامة التي أطلقها في أكثر من مناسبةٍ، فسياسته هي التي ستوضح حقيقة مواقفه.
الحزب الجمهوري الأميركي يفهم التوازنات الدولية ومشكلات العالم وأزمات الشرق الأوسط أكثر بكثيرٍ من إدارة أوباما التي فرّطت في كثيرٍ من المصالح العليا للولايات المتحدة الأميركية، والتي عادت الحلفاء وقربت الأعداء، وسمحت للمنافسين بملء الفراغ الكبير الذي خلقته حول العالم، ويكفي ملاحظة تصريحات أعضاء الحزب الكبار تجاه سياسات أوباما في السنوات الثماني الماضية، وكم كانت واقعيةً وعقلانيةً، لاكتشاف الفرق الذي سيحدث.
يبدو الرئيس ترامب في تصريحاته وشعارات حملته وكأنه يضع عصر الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان نموذجًا يحتذي به، ومن هنا تأتي حواراته مع بعض رموز ذلك العهد كجيمس بيكر، أو في شعار حملته الذي يقول: «لنجعل أميركا عظيمةً مجددًا». وريغان هو الذي أسقطت سياساته الاتحاد السوفياتي السابق، وقد دخل في حوارٍ مع قادة السوفيات آنذاك، وهذا ما ينبغي وضعه في الاعتبار حين النظر إلى تصريحات ترامب تجاه روسيا، بعيدًا عن الصخب الإعلامي والشجار الانتخابي.
مما هو مطروح في تصريحات الرئيس ترامب وتصريحات مستشاريه والمقربين منه، يمكن اكتشاف أنه سيقضي على التبعات السيئة لإرث الرئيس أوباما التي كانت في مجملها شذوذًا غير مألوف في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وأنه سيضع حدًا لسقوطٍ كان يبدو بلا مدى. فحين تكون الأقوى وتختار أن تكون الأضعف، وحين تكون المسؤول الأول عن الاستقرار فتختار الفوضى، فذلك سقوطٌ وتداعٍ لأقوى قوةٍ في العالم سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا وأمنيًا وحضاريًا وثقافيًا.
يذكر التاريخ الأميركي كيف أن أميركا عاشت في تاريخها إرهابًا وتقتيلاً، كالحالة التي يمر بها المسلمون ودولهم في الواقع اليوم، فقد قام بعض الأميركيين في زمنٍ سبق «وتعهدوا بذبح كل أسير يقبض عليه في المعركة.. وكان معظم الـ1200 جندي المواجهين لهم جيرانًا لهم»، و«الأميركيون يذبح بعضهم بعضًا في ساحة القتال؛ جيران يحاربون جيرانًا» (الرجال الذين اخترعوا الدستور، ص 27 و30).
وإذا أراد الرئيس ترامب القضاء على الإرهاب المعاصر، فعليه أن يضع يده بيد الدول العربية المعتدلة، ومن ورائها الدول المسلمة المعتدلة، لأن الإرهاب لا دين له، ولكنه ينطق في هذه المرحلة من تاريخ البشرية باسم الإسلام، والإسلام منه براء، والدول العربية والإسلامية خير حليفٍ للقضاء عليه.
أخيرًا، جاء في الكتاب السابق: «إذا لم نجر بعض التغيير على عقيدتنا السياسية.. إننا ننحرف بسرعة إلى الفوضى والاضطراب». ويبدو المستقبل القريب مفتوحًا لخياراتٍ سياسيةٍ أفضل، ومنطقة أكثر أمنًا.