مضايا المحاصرة تحتضر جوعاً.. والأعشاب وسيلة للغذاء والعلاج

«متلازمة غاريه» تفتك بأهلها.. وأكثر من 23 مصابا بالفشل الكلوي مهددون بالموت

أطفال بلدة مضايا المحاصرة بريف دمشق يرفعون لافتات تطالب بفك الحصار عن البلدة التي أنهكها الجوع والمرض (مواقع تواصل اجتماعي)
أطفال بلدة مضايا المحاصرة بريف دمشق يرفعون لافتات تطالب بفك الحصار عن البلدة التي أنهكها الجوع والمرض (مواقع تواصل اجتماعي)
TT

مضايا المحاصرة تحتضر جوعاً.. والأعشاب وسيلة للغذاء والعلاج

أطفال بلدة مضايا المحاصرة بريف دمشق يرفعون لافتات تطالب بفك الحصار عن البلدة التي أنهكها الجوع والمرض (مواقع تواصل اجتماعي)
أطفال بلدة مضايا المحاصرة بريف دمشق يرفعون لافتات تطالب بفك الحصار عن البلدة التي أنهكها الجوع والمرض (مواقع تواصل اجتماعي)

«لم يعد أمام أهالي مضايا المحاصرة إلا انتظار دورهم في الرحيل علّ ذلك يريحهم مما يعيشونه في غياب أدنى مقومات الحياة. الحليب بات حلما لأطفالهم وأصبحت اللحوم طلبا مستحيلا بالنسبة إلى الكبار، هم الذين أكلوا حتى القطط التي لم يعد لها وجود أيضا في هذه المنطقة»، بهذه الكلمات يصف أبو المهاجر، الناشط في مضايا الوضع في بلدته المحاصرة منذ نحو سنة ونصف السنة من قبل قوات النظام وما يسمى «حزب الله».
ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هنا بات الموت أمرا عاديا، وإن اختلفت الأسباب. ولا فرق بين كبير بالسنّ أو طفل وحديث الولادة. كلنا نحتضر، من لا يموت نتيجة الجوع وسوء التغذية يموت بسبب إصابته بمرض وغياب القدرة على العلاج». ويشير إلى أنه وإضافة إلى مرضى الفشل الكلوي الذين يموتون لغياب إمكانية العلاج، هناك عدد من الأطفال ولا سيما حديثي الولادة يفارقون الحياة لعدم توفّر الحليب والغذاء لهم، لافتا إلى أن هناك مرضا يطلق عليه اسم «متلازمة غاريه» بات يصيب عددا كبيرا من الأشخاص يقدّر اليوم عددهم بـنحو 25. وهو المرض نفسه الذي أصاب 28 في وادي بردى، ومعظم هؤلاء يكون مصيرهم الموت، بسبب عدم القدرة على تأمين العلاج الذي هو عبارة عن 10 حقن، ثمن كل واحدة، إذا تمكن أهل المريض من الحصول عليها، ما بين 700 و800 ألف ليرة سوري أي ما يقارب 1200 دولار أميركي، بينما لا يزيد خارج مضايا عن 165 ألف ليرة. وأعراض هذا المرض، بحسب أبو المهاجر، تبدأ بالرشح والحمّى ومن ثم التهاب الأعصاب الذي يصل إلى النخاع الشوكي ويؤدي إلى الوفاة.
ويضيف: «حتى علاج الأمراض الخفيفة والمتوسطة، ليس متوفرا في ظل غياب وسائل العناية الطبية، وبتنا نعتمد على الوسائل البدائية والطب البديل الذي يرتكز على استخدام الأعشاب التي قد تفيد حينا ولا تنفع أحيانا أخرى».
أما فيما يتعلّق بالمواد الغذائية التي كانت قد دخلت آخر مرة إلى مضايا قبل نحو خمسة أشهر، فتأمينها بات شبه مستحيل، والاعتماد اليوم هو على المزروعات الموسمية، قائلا: «كل عشب أخضر ينبت في الأرض يؤكل. على سبيل المثال، الموسم اليوم هو للسبانخ والسلق، في غياب كامل للحوم في طعامنا اليوم، لا الدجاج ولا الأبقار حتى القطط لم تعد موجودة بعدما ذبحها وأكلها أهالي مضايا».
ويشير أبو المهاجر إلى أنه وإضافة إلى عدم وصول المواد الغذائية فإن الحصول عليها سرا وعن طريق التهريب يخضع لمزاج ومتطلبات ما يعرفون بـ«الوسطاء» أو «تجار الدم» بين النظام وأهالي المنطقة، بحيث يقبضون مقابل أي كمية قليلة من المواد عشرات الدولارات.
وقد سجّل خلال العشرة أيام الأخيرة، عشر حالات وفاة، بينهم 6 أطفال حديثو الولادة وأربعة أشخاص نتيجة إصابتهم بالفشل الكلوي، وهو ما أكّده أبو المهاجر ومصادر معارضة عدّة.
والشابة علا محمد شبارة التي لم يتجاوز عمرها الخامسة والعشرين عاما التي توفيت أمس هي واحدة من مصابي الفشل الكلوي، وكان قد سبقها إلى المصير نفسه الحاج ديبو الكويفي عن عمر ناهز الأربعة والخمسين عامًا وبعد معاناة استمرت لأكثر من 10 أسابيع مع المرض الذي أصيب فيه وسط عجز تام لدى النقطة الطبية الوحيدة الموجودة داخل بلدة مضايا التي كانت قد علقت عملها بتاريخ الخامس والعشرين من الشهر الماضي.
وكان الناشطون قد بدأوا منذ أسابيع عدة حملة على التواصل الاجتماعي، يدعون خلالها الإسراع في مساعدة مرضى الفشل الكلوي الذين يبلغ عددهم 23 شخصا، وتجنيبهم مصير من سبقهم من المصابين بالمرض نفسه.
وفي هذا الإطار، يقول حسام محمود نشاط مدني داخل بلدة مضايا «نحاول بشتى الوسائل الضغط على كافة المسؤولين لإخلاء حالات إنسانية حرجة باتجاه دمشق لكن لا حياة لمن تنادي، أصبح الموت في البلدة مشهدًا اعتياديا بالنسبة للجميع ولم يعد بإمكاننا الصمود أكثر من ذلك وسط ضعف الإمكانيات الطبية في البلدة ودخول فصل الشتاء والناس محرومة من أنى مقومات الحياة».
ويضيف محمود «خلال عشرة أيام وثقنا أكثر من 10 حالات وفاة في المنطقة، أربعة خدج توفوا فور ولادتهم نتيجة معاناة أمهاتهم أثناء فترة الحمل، وحالتي وفاة بسبب مرض الفشل الكلوي، و4 شبان نتيجة القنص كان آخرهم الشاب مازن الدالاتي في مدينة الزبداني».
من جهتها، تقول والدة المصاب علي غصن المصاب بالفشل الكلوي «على المسؤولين عن ملف اتفاق المدن الأربع (مضايا والزبداني وكفريا والفوعة) الإسراع في إيجاد حل لولدي وللمصابين الآخرين، كل يوم يمضي حالتهم آخذة بالتدهور، الآن هم بحاجة ملحة لإجراء غسيل كلية إسعافي، نناشد أصحاب الضمائر الحية الضغط على (حزب الله) والنظام لإخراجهم من مضايا وإنقاذ حياتهم».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.