د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

توطين الإرهاب ودعمه في ليبيا!

التدخل الأجنبي في الأزمة الليبية بات واضحًا تحكمه النزعة البراغماتية الميكافيلية في التعامل والتعاطي مع أطرافها المختلفة، فهي تسعى لإعادة تدوير جماعات الإسلام السياسي وتوطين وشرعنة الميليشيات، بل وحتى تمكينها من حماية الحكومة الهشة بثوب عسكري، بدلاً من إقرار بنود «اتفاق» الصخيرات الذي نص على احترام مؤسسة الجيش وإعادة انتشار الميليشيات خارج المدن ثم حلها كما نص الاتفاق، نجد بعد مرور عدة أشهر على دخول حكومة «الوفاق» العاصمة طرابلس وعبر الفرقاطة الإيطالية ثم تسلمتها الفرقاطة الليبية السدادة، فكيف تصبح حكومة وطنية تحافظ على ثوابت وطنية، وهي تشكلت في الخارج وبالتشاور بين فرقاء التدخل الخارجي في الأزمة الليبية وتقاسمهم وتبادلهم الأدوار؟
الميكافيلية الأميركية التي تمارس من خلالها ابتزاز أوروبا بأمنها المهدد باستمرار الفوضى وتوطين الإرهاب ودعمه وتمكينه من السلطة في ليبيا التي تمتلك شاطئًا بطول 2000 كلم قبالة شواطئ أوروبا، لا يفصلها عنه سوى 300 ميل بحري، فمارست أميركا الضغط لحرمان الجيش الليبي من السلاح، وهو يواجه إرهاب «داعش» وإخوته، في حين تمرر ضربات خجولة لـ«داعش» سرت، بينما يتم تمرير السلاح لـ«داعش» بنغازي ودرنة كما كشفت وثائق «ويكيليكس»، هذا الفصام السياسي الواضح في التعاطي الأميركي والبريطاني أيضًا مع الأزمة الليبية ومن خلال المساواة بين سلطة الخيار الانتخابي الديمقراطي منذ بدء الأزمة وانقلاب جماعات الإسلام السياسي على نتيجة صندوق الانتخاب ورفضهم نتيجته بعد خسارة إخوان البنا وقطب ومعرفتهم حجمهم الحقيقي في الشارع الليبي، وبأن الخيار الانتخابي الديمقراطي يمثل الخسارة الحتمية لهم، بل وسيفضح حجمهم الحقيقي.
العبث الدولي المتمثل في الأمم المتحدة بملف الأزمة الليبية بتناوله ومناقشته بالمقلوب، بالبحث عن حكومة تشكلها أطراف ليست الوحيدة ولا حتى الفاعلة، بل حضر زعماء أحزاب لا يتجاوز عدد أفراد حزبهم المائة، وتم تغييب أطراف أخرى تشكل رقمًا مهمًا في الأزمة الليبية، ومنها القبائل الليبية جميعها، وكذلك المهجرون خارج ليبيا، بل والنازحون داخلها، بعد خلط الأوراق والقفز على الوثيقة الرابعة التي تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى، فكيف يصبح ما نتج عن تشكيلة الأمم المتحدة من مدعويها لحوار الصخيرات يمثلون «وفاقًا وطنيًا» وهم في مجملهم يمثلون طرفًا وحدًا؟ بل من الظريف في المخادعة التي مارسها السيد برناردينو ليون هو دعوة قيادي في تنظيم «الإخوان المسلمين» لحوار الصخيرات وضمن قائمة المستقلين، الأمر الذي تجاوز احترام العقول، ومما جعل حوار الصخيرات أشبه بحوار المرآة «mirror dialogue»، حيث يحاور طرف نفسه لن ينتج عنه أي وفاق حقيقي يصلح للتعايش، ولهذا في اعتقادي أن مخرجات حوار الصخيرات واتفاقه، باتت من الماضي، رغم جرعات الإنعاش التي يطلقها بعض زعماء تمويل ورعاية هذا الاتفاق من سماسرة البترول في الولايات المتحدة، التي تحكمها اليوم منازعات انتخابية دعائية، تقودها حكومة أوباما لصالح هيلاري كلينتون.
في ليبيا اليوم ثلاث حكومات متنازعة الشرعية، بينما المواطن البسيط، يعاني أزمة حقيقية، بينما السوق الموازية تعاني تخمة تصنيع الحلويات، في ظل ضعف جهات رقابية وظهور حالة تضخم مالي كبير وانهيار للدينار الليبي أمام الدولار، وتهريب لثروات البلاد من ذهب وأموال للخارج من قبل أمراء الميليشيات، وخطباء منابر متطرفة، كتحريض المفتي المعزول المتكرر على القتال في بنغازي، وحث الميليشيات والمجموعات المسلحة على القتال ضد الجيش. وهي جرائم يعاقب عليها القانون، وتقع تحت بند المجاهرة بالإرهاب، وممارسة الجريمة العلنية.