الدولار أغلى من اليورو والإسترليني في «شوارع مصر»

القاهرة تؤكد: برنامجنا للإصلاح الاقتصادي «مصري بحت» وقرض الصندوق يقترب

ركاب رحلة «إير جيرمانيا» الألمانية لدى وصولهم أمس إلى مطار شرم الشيخ الدولي في مصر بعد عام من شلل حركة السياحة عقب تفجير طائرة روسية فوق سيناء (أ.ف.ب)
ركاب رحلة «إير جيرمانيا» الألمانية لدى وصولهم أمس إلى مطار شرم الشيخ الدولي في مصر بعد عام من شلل حركة السياحة عقب تفجير طائرة روسية فوق سيناء (أ.ف.ب)
TT

الدولار أغلى من اليورو والإسترليني في «شوارع مصر»

ركاب رحلة «إير جيرمانيا» الألمانية لدى وصولهم أمس إلى مطار شرم الشيخ الدولي في مصر بعد عام من شلل حركة السياحة عقب تفجير طائرة روسية فوق سيناء (أ.ف.ب)
ركاب رحلة «إير جيرمانيا» الألمانية لدى وصولهم أمس إلى مطار شرم الشيخ الدولي في مصر بعد عام من شلل حركة السياحة عقب تفجير طائرة روسية فوق سيناء (أ.ف.ب)

وسط الغموض الدائر في مصر حول الموعد الذي ستعلن فيه الإدارة المصرية عن بدء خفض سعر الصرف الخاص بالجنيه مقابل الدولار الأميركي، وامتزاج ذلك الغموض مع التحديات التي تواجهها القاهرة فيما يخص «البنود الشائكة» في خطوات برنامجها للإصلاح الاقتصادي ورفع الدعم عن السلع الأساسية، تصر القاهرة على التأكيد على أن «البرنامج مصري بحت»، وأنه لا توجد أي تدخلات خارجية في بنوده أو تطبيقه، خاصة في ظل ما تسعى أطراف متعددة لترويجه حول وجود «اشتراطات» من صندوق النقد الدولي من أجل الموافقة على القرض الذي تطلبه مصر من أجل دعم برامجها الاقتصادية.
وفي تلك الأجواء التي تشهدها مصر، ارتفع الطلب على الدولار لدرجة أن أسعار التعاملات في السوق الموازية على العملة الأميركية فاقت تلك الخاصة بعملات أعلى سعرا على غرار اليورو والإسترليني، الأقل طلبا.. بينما تسعى القاهرة جاهدة لتطويق أكثر من أزمة اقتصادية عبر تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وأمس، قال المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء المصري، أمام مجلس النواب، إن الحكومة تعمل بالتعاون مع البنك المركزي لإنهاء الفرق بين سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري وأسعار «السوق السوداء» (الموازية)، وأنه سيكون هناك سعر صرف موحد للدولار مقابل الجنيه «في التوقيت المناسب»، بما يتماشى مع القيمة العادلة للعملة المحلية. مؤكدا أن «التحرك السابق لحل أزمة سعر الصرف في مارس (آذار) الماضي كان من دون توافر الأدوات المناسبة؛ وكانت نتيجته سلبية»، ومشددا أن سعر الصرف سيصبح «تحت السيطرة في أقرب فرصة».
كما أكد إسماعيل، في تصريح منفصل، أنه جار التفاوض مع الصندوق بشأن الحصول على القرض، لافتا إلى أن الحكومة منذ منتصف 2014 تتخذ قرارات الإصلاح وفقا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي التي وضعته الحكومة في إطار رؤية متكاملة، وأنه جار استكمال إجراءات الإصلاح، قائلا إن «برنامج الإصلاح الاقتصادي مصري».
وأضاف إسماعيل أنه يتم حاليا التعامل مع ملف الإصلاحات ببرامج، منها قانون الخدمة المدنية والقيمة المضافة، وأنه جار حاليا التفاوض مع الصندوق في التفاصيل الخاصة للحصول على القرض. نافيا ما يشاع عن الاتجاه إلى تطبيق التسعيرة الجبرية علي المنتجات، وقال إنه «لو تمت التسعيرة الجبرية؛ ستكون لسلع استراتيجية محددة تهم المواطنين ولفترة محدودة»، مشيرا إلى أنه يتم عقد لقاءات مع اتحاد الصناعات، وكذلك الاتحاد العام للغرف التجارية لمناقشة أسعار السلع بهدف توفيرها للمواطنين.
وفي الوقت الذي «يطالب» فيه الصندوق القاهرة بضرورة الحصول على تدبيرات مالية «خارجية» تبلغ 6 مليارات دولار من أجل المضي قدما في «النظر» في الحصول من الصندوق على قرض بقيمة 12 مليار دولار مقسم على 3 سنوات، فإن القاهرة مطالبة أيضا بـ«تخفيض» عملتها في مقابل الدولار ليصل الجنيه المصري إلى قيمته العادلة الحقيقية.
وبينما يسعر البنك المركزي الدولار عند 8.83 قرش، يجري تداول الدولار في «السوق السوداء» (الموازية) بأرقام تبلغ ضعف ذلك الرقم نتيجة المضاربات على العملة، وشح الدولار في الأسواق مع ارتفاع الطلب عليه نتيجة اعتماد ميل واسع للميزان التجاري المصري إلى جهة الاستيراد، مع «جفاف» كبير في «المنابع الطبيعية» التي اعتمد عليها الاقتصاد المصري كمورد للعملة الأجنبية بعد كبوة بالغة لحركة السياحة، وتأثر إيرادات قناة السويس نتيجة الركود العالمي، وتراجع واسع في تحويلات المصريين بالخارج جراء الفجوة السعرية للدولار بين السوق الرسمية والموازية. وكسر الدولار حاجز 17 جنيها في التعاملات بالسوق الموازية بحسب تأكيد عدد من المتعاملين، فيما أثيرت شائعات عن أنه تجاوز 18 جنيها، لكنها تبقى مجرد أقاويل «غير مؤكدة» بتعاملات حقيقية. ويؤكد خبراء اقتصاد أن ذلك «الارتفاع الجنوني»، الذي يتجاوز 100 في المائة من السعر الرسمي، يعود بشكل كبير إلى المضاربات، وكذلك إلى تحول الدولار من «عملة» إلى «سلعة استثمارية» في نظر كثير من المواطنين، نتيجة لغياب الوعي الاقتصادي السليم، إضافة إلى تأخر البنك المركزي في إجراءات تحرير سعر الصرف بطريقة مدارة، ما جعل الوضع يتفاقم.
ومن المثير في مصر حاليا أن الدولار يجري تداوله في السوق الموازية بأسعار تفوق عملات أعلى سعرا على المستوى العالمي، على غرار اليورو الذي يجري تداوله في حدود 14 جنيها (السعر الرسمي 9.76)، أو الجنيه الإسترليني الذي يجري تداوله عند مستويات في حدود 15 جنيها مصريا (السعر الرسمي 10.83).
ويشير المتعاملون في سوق المصارف إلى أن ذلك «الانقلاب السعري» يعود إلى سياسة العرض والطلب، فالإقبال العنيف على الدولار، وقلة التعامل بالعملة الأوروبية أو البريطانية خلق تلك الفجوة الغير مسبوقة في الأسواق، بينما يحذر بعض الاقتصاديين من أن التأخر في «رأب الصدع» قد يؤدي إلى نزيف مالي عبر تحويل بعض المتاجرين عملات مثل اليورو والإسترليني إلى دولارات عبر البنوك، ثم إعادة بيعها «من أجل التربح من فرق العملات».
وتسود التوقعات بأن يعلن المركزي المصري عن تحرير سعر الصرف أو تخفيض الجنيه خلال اجتماع لجنته للسياسة النقدية المقبل المقرر يوم الخميس 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، والذي سيعلن فيه أيضا عن مراجعته لأسعار الفائدة، ويتوقع أغلب المراقبين أن يشهد الأخير رفعا كبيرا بالتوازي مع تحرير سعر صرف العملة.
وحول الاتجاه الذي سيسلكه المركزي، بين «التحرير المدار» لسعر الصرف أو «التعويم الكامل»، يرى أغلب الخبراء أن التحرير المدار أكثر مناسبة للوضع المصري الحالي حتى لا تنفلت الأوضاع، وذلك على عكس «الرأي الشخصي» الذي أبدته مدير صندوق النقد الدولي كريستيان لاغارد قبل يومين، حين سئلت عن الطريقة الأفضل، وعلقت قائلة إن «الظروف المحيطة هي التي تحدد الوسيلة الصحيحة والجدول الزمني المناسب»، لكنها تابعت في إشارة ذات مغزى «عندما يكون لديك احتياطي متدن للغاية، إلى جانب اتساع الفارق بين سعر العملة المحلية في السوق الرسمية والسوق الموازية، فإنه - ومن الناحية التاريخية - وُجد أن عمليات التحول السريع أثبتت أنها أكثر كفاءة. إلا أن ذلك يظل خاضعًا للظروف، ففي حالات أخرى، وجدنا أن التحول التدريجي أكثر كفاءة».
وأشارت لاغارد في حديثها إلى شبكة بلومبرغ الإخبارية أيضا إلى أن الحكومة المصرية اقتربت من تأمين التمويل الثنائي المطلوب للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، وهو أمر يتوافق مع ما ذكره مسؤولون مصريون أول من أمس حول توصل القاهرة إلى اتفاق مبادلة عملة مع الصين بقيمة 2.7 مليار دولار، وذلك بعد مباحثات بين المركزي المصري ونظيره الصيني (بنك الشعب الصيني). وبحسب التقييمات التي تجريها مراكز الأبحاث الاقتصادية، فإن القاهرة بذلك تكون قد استكملت مبلغ الستة مليارات دولار من التمويلات الثنائية، اللازمة للموافقة على قرض الصندوق.
وكان طارق عامر محافظ المركزي المصري قد أكد قبل عدة أشهر أن تحرير صرف العملة مرتبط بوصول الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 25 مليار دولار. وفي آخر إفصاحات المركزي عن الاحتياطيات، أشار بيان صادر قبل أسبوعين إلى أنها بلغت 19 مليار دولار في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ويرى مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، في تصريح له أول من أمس مع شبكة «سي إن إن» الإخبارية، أن «الحكومة المصرية حددت لنفسها هدفا يتمثل في عدم استخدام الاحتياطي المحدود في دعم العملة المحلية»، منوهًا إلى أن صندوق النقد يدعمها في ذلك. وتابع قائلا: «كلما كان تحرير أسعار الصرف أسرع، تحرك الاقتصاد بشكل أسرع للنمو لاسترداد عافيته»، مشيرا إلى اعتقاده أن «الحكومة لديها برنامج لتطبيق تلك الإصلاحات، لأنها رأت أنها تلعب دورا في جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة، والأهم الاستثمار المحلي الداخلي الذي يبقى بالنسبة لي أكبر بكثير من أي استثمار خارجي في أي بلد بما في ذلك مصر، لذلك أرى أن جزءا رئيسيا من أجندة الإصلاح يجب أن تحمل دعما للقطاع الخاص». وتهتم القاهرة كثيرا خلال الفترة الماضية بالعمل على جذب الاستثمارات الخارجية، وأعلنت «المجموعة الاقتصادية» بالحكومة أن «قانون الاستثمار الجديد» على وشك الصدور، بما يحمله من تيسيرات وإجراءات جاذبة للاستثمارات.
وكانت مصر تستهدف نموا اقتصاديا يقدر بأكثر من 5 في المائة في العام المالي 2015 - 2016. ارتفاعا من 4.2 في المائة في العام السابق، لكن رئيس الوزراء المصري قال أمس إن نسبة النمو للعام الأخير بلغت 4.3 في المائة فقط. كما أشار إسماعيل إلى أن عجز الموازنة بلغ نحو 12.1 في المائة، فيما كان المستهدف 8.9 في المائة فقط، وبالمقارنة مع نسبة 11.5 في المائة في العام السابق. لكن محمد معيط، نائب وزير المالية المصري لشؤون الخزانة، قال لـ«رويترز» إن وزارته اعتمدت الحساب الختامي لموازنة 2015 - 2016، بعجز بلغ 12.2 في المائة.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.