سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

من كولومبيا إلى «الجماعة»!

أظن أن على جماعة الإخوان في مصر خصوصًا، وفي كل بلد عربي آخر بالعموم، أن تأخذ الدرس الواجب، مما جرى مؤخرًا في كولومبيا.. فهي إذا لم تأخذه، وإذا لم تحرص على أن تعيه، لن يكون مجديًا معها درس سواه!
ماذا جرى في كولومبيا، إحدى دول أميركا الجنوبية؟!
جرى أن اتفاقًا للسلام تم توقيعه بين الدولة هناك، وبين حركة «فارك» الثورية المسلحة، من أجل إنهاء أعمال عنف، كانت الحركة تمارسها على مدى 52 عامًا مضت!
وجرى أيضًا، أن الطرفين استغرقا أربع سنوات كاملة، في التوصل إلى الاتفاق وفي صياغته، وفي التوافق حول بنوده!
ثم جرى للمرة الثالثة، أن رئيس البلاد قد قرر عرض الاتفاق في استفتاء عام، يقول فيه الشعب الكولومبي رأيه، ويُبدي رضاه عن الصيغة التي توافقت عليها الدولة، والحركة.. أو يُبدي العكس فيعلن عدم رضاه، ويرفض الاتفاق!
ومن الواضح، أن رئيس كولومبيا، قد ذهب إلى الاستفتاء الذي دعا إليه، وهو ممتلئ بالثقة، في أن الغالبية من أفراد شعبه، سوف تقول: نعم.. فإذا بالغالبية تفاجئه بما لم يكن يتوقعه، وإذا بها ترفض، وإذا بنتائج الاستفتاء الرافضة، تخلف صدمة قوية في البلاد!
والمؤكد، أن الحكاية تعيد إلى أذهاننا، شيئًا مماثلاً، مما جرى في بريطانيا صيف هذا العام، عندما ذهب ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، إلى استفتاء حول بقاء بلاده، أو عدم بقائها، في الاتحاد الأوروبي.. لقد دعا إلى الاستفتاء متطوعًا، ولم يفرضه أحد عليه، وكان يراهن بقوة على أن الغالبية في بلده، لن تخذله، فإذا بها تخيب ظنه وتخذله، وإذا به يخسر رهانه، بل ويخسر معه مستقبله السياسي، فيستقيل!
الأمر في كولومبيا مختلف طبعًا، لأنه فيها، مرتبط بعنف، وسلاح، ودم، في الماضي، ولأن الاتفاق كان قد صيغ، بحيث يُنهي ذلك كله، وبحيث يتوجه الجميع نحو المستقبل، فلا يتطلعون إلى الوراء، رغم مساحة الألم والدموع فيه! وعندما سألوا بعض الذين قالوا «لا» للاتفاق، عن أسباب رفضهم لاتفاق كان طرفاه قد سهروا عليه أعوامًا أربعة، ردوا بأن ما لم يعجبهم فيه، أنه يعطي الفرصة للذين ارتكبوا جرائم، في حق الشعب الكولومبي، ليفلتوا من العقاب!
الكثيرون في كولومبيا، بلد غابريل غارسيا ماركيز، ممن كانوا يباركون الاتفاق، وقعوا في مأزق، ولا يزالون يقعون فيه، ولا يزالون كذلك يتساءلون في حيرة، وفي ذهول: ماذا نفعل؟!
ولأن الشأن كله، شأن كولومبي مجرد في النهاية، فإن الدرس الباقي منه، موجه بالأساس إلى جماعة الإخوان في القاهرة على وجه الخصوص.. وهو موجه إليها، لأنها منذ أسقطها المصريون عن الحكم، لا تريد أن تعلن، بشكل واضح لا غموض فيه، أنها ضد العنف، بكل أشكاله، وأنها تتفهم الدوافع التي جعلت الكثيرين من المصريين يخرجون عليها في 30 يونيو (حزيران) 2013، وأنها تحترم الدولة المصرية، ودستورها المدني، ونظامها الجمهوري، وتريد أن تعمل في هذا الإطار، لا خارجه بأي حال!
شيء من هذا، كان متوقعًا، فيما بعد الثورة المصرية على الجماعة الإخوانية، بساعة واحدة.. فإذا كان قد فاتها هذا الشيء، في حينه، فقد كان المتوقع ألا تتأخر عنه إلى الآن، نحو ثلاث سنوات ونصف السنة، لأن الجماعة، تضم في النهاية مواطنين مصريين، وهؤلاء المواطنون الذين تضمهم هي في عضويتها، لا بد أن يفهموا، وأن يستوعبوا، أنهم جزء من كيان الأمة المصرية المتماسك، وأنهم ليسوا جزءًا خارجًا على كيان الأمة، وليسوا بالدرجة نفسها، جزءًا فوق الكيان!
ولأن الكولومبيين الذين رفضوا اتفاق المصالحة، مع حركة «فارك» قد ارتكزوا في رفضهم، على أنه يتيح إفلات الذين أجرموا منها، في حق الشعب، من العقاب، فالرافضون لأي مصالحة مع الإخوان، يقولون بالحجة نفسها، ولا يرون مصالحة معهم يمكن أن تتم، إذا كان لها أن تتم، إلا إذا نال كل واحد في الجماعة الإخوانية، عقاب القانون، على أي عنف يتبين أنه مارسه، أو حرّض عليه!
أمام الجماعة أن تتأمل اتفاق كولومبيا بهدوء، وأمامها أن تأخذ منه دروسه التي تفيدها، في علاقتها بسائر أفراد الشعب، وعليها ألا تتباطأ في ذلك، حتى لا يأتي وقت تزداد فيه الضغوط على الحكومة، من أجل إجراء مصالحة من نوع ما جرى في أميركا الجنوبية، فلا تجد الحكومة مفرًا من عرض الأمر في استفتاء، فتأتي نتيجته من النوع الكولومبي، فعندها، سوف يتأكد أن مشكلة الإخوان هي مع الشعب، وليست مع السلطة القائمة في مقاعد الحكم!