راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

أين فلسطين وطبول فلسطين؟

انتهت القمة بين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان التي عقدت، بداية الأسبوع في أنقرة، على هامش مؤتمر الطاقة العالمي، بالإعلان عن تفعيل التنسيق العسكري والاستخباري بين البلدين، اللذين يسرعان الخطى في تطبيع علاقاتهما بعد الخلاف الذي نجم عن إسقاط الأتراك القاذفة الروسية فوق سوريا.
الحديث عن التنسيق العسكري بين موسكو وأنقرة يفتح الباب على سلسلة من الأسئلة الساخنة وفي مقدمها، أين أصبح التعاون الإقليمي الثلاثي الذي يعكف بوتين على هندسته والإمساك بخيوطه، التي تمتد من أنقرة إلى طهران إلى تل أبيب؟ هذا السؤال بات مشروعًا بعدما سارع إردوغان إلى إعادة تصحيح علاقاته مع إسرائيل التي كانت في أعلى درجات التعاون والتنسيق، قبل أن ينسحب من النقاش مع شمعون بيريس في نهاية عام 2013 في دافوس، على هامش الاعتداء على غزة.
السؤال الثاني يزداد إلحاحًا منذ سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، بعدما أعلن أن روسيا دشنت بعد أسبوعين من تدخلها العسكري في سوريا، خطًا ساخنًا مع مركز القيادة لسلاح الجو الإسرائيلي للإبلاغ المتبادل عن الطلعات الجوية فوق أجواء سوريا، وبعد تقارير من مصادر دبلوماسية عليا تم تبادلها في الأروقة السياسية الدولية، وفيها أن مثلثًا استخباريًا ينشط بين روسيا وإسرائيل من جانب، وبين روسيا وإيران من الجانب الآخر، وأن محور هذا المثلث الذي يعكف بوتين على ترسيخه يتجاوز التنسيق على الساحة السورية ليشمل المنطقة والوضع الإقليمي.
عندما زار محمد جواد ظريف تركيا، في 12 سبتمبر الماضي، دعا إلى تعميق التعاون والتشاور بين إيران وروسيا وتركيا على خلفية أن «الدول الثلاث هي قوى مؤثرة في المنطقة، وأن طهران تسعى إلى تعزيز التعاون فيما يتعلق بالتبادل بين البلدين، وأن الإرادة السياسية متوافرة لربط إيران بأوروبا عن طريق تركيا فيما يتعلّق بالكهرباء والغاز».
لكن القصة لا تتوقف عن مسألة التبادل والكهرباء والغاز، فقد سبق لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن تحدثت عن أجواء الثقة الدافئة بين تل أبيب وموسكو والتي لا تتعارض بالضرورة مع العلاقات المتقاربة بين روسيا وإيران، ونقلت عن السفير الروسي في تل أبيب ألكساندر شاين، أن موسكو تقوم بنقل منهجي للرسائل بين إسرائيل وإيران ونظام الأسد، وأن بعض هذه الرسائل تتعلق بمصير الطيار الإسرائيلي رون أراد والجاسوس إيلي كوهين، وبعضها يتعلق بالتطورات في المنطقة!
التقارير الدبلوماسية تصف التنسيق بين إسرائيل وإيران، الذي يدعمه فلاديمير بوتين بقوة، لأنه يعطيه دورًا حاسمًا في وجه النفوذ الأميركي في الإقليم، بأنه أقل من حلف مُعلن وأكثر من تعاون ناشط وكل ذلك على حساب الدول العربية في المنطقة، التي طالما تعرضت للحروب والاعتداءات الإسرائيلية، والتي تتعرض كذلك إلى العربدة الإيرانية المتمادية في المنطقة، وقد وصلت أخيرًا إلى درجة مباهاة المسؤولين في طهران بأنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت.
وعندما يؤكد السفير الروسي في تل أبيب أن القيادة الروسية تحرص دائمًا على أخذ الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية في الاعتبار في أي قرار يتعلق بسوريا، وأن التنسيق بين روسيا وإسرائيل يتعزز مع الوقت، وكذلك التنسيق على خط موازٍ بين موسكو وطهران، فإن ذلك يدفع كثيرًا من المراقبين إلى التساؤل عن معنى الإعلانات الإيرانية التي تتحدث دائمًا عن محاربة إسرائيل وعن دعم القضية الفلسطينية، في وقت تبرز معالم التنسيق والتعاون بين البلدين ولو عبر الأقنية الروسية، وفي حين يستمر رفع الشعار في طهران صارخًا «الموت لإسرائيل»، بينما تصبّ الممارسات على الأرض وفي أنحاء المنطقة في سياق آخر هو «الموت للعرب».
في هذا السياق مثلاً كان من المحيّر في 13 سبتمبر الماضي لمناسبة رأس السنة العبرية أن يكتب حسن روحاني على صفحة حسابه في «تويتر» تغريدة تقول: «قد تسهم جذورنا الإبراهيمية في تعميق الاحترام وتجلب السلام والتفاهم المتبادل»، فهل هذا يعني أن الاحترام موجود لهؤلاء الذين يُرفع في وجوههم دائمًا شعار «الموت لإسرائيل»، ثم ما معنى أن تأتي تهنئة روحاني بعد أيام من تصريحات المرشد علي خامنئي عن أن موعد زوال دولة إسرائيل خلال 25 سنة؟
قد يأتي الجواب على لسان فريدريك هوف السفير الأميركي السابق الذي عمل مبعوثًا لباراك أوباما في سوريا، عندما قال في تصريح نقلته صحيفة «الغارديان» البريطانية إن مسؤولين إيرانيين أخبروه بأن بلادهم ليست في صراع مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، بل إن صراعها مع المملكة العربية السعودية التي تعتبرها عدوها الرئيسي ومع دول الخليج، وإن كل مساعيها تصب في إطار مواجهة النفوذ السعودي في المنطقة.
وفي الواقع تتولى موسكو هندسة الاتصالات وعمليات التنسيق بين طهران وتل أبيب، وفي هذا السياق يقول السفير الروسي شاين إنه عندما تحدثت موسكو عن تزويد إيران بمنظومة صواريخ «إس 300» حرصت مقدمًا على نقل رسالة تطمين إلى الإسرائيليين بأن هذه الصفقة لن تؤثر على ميزان القوى في المنطقة، وقد تكررت التطمينات مرارًا؛ أولاً عندما بدأ الطيران الروسي ينطلق من القواعد الإيرانية للإغارة على سوريا، وثانيًا عندما بدأت بطاريات صواريخ «إس 300» تصل إلى القاعدة الروسية في طرطوس، حيث حرصت موسكو على إعطاء إسرائيل التطمينات الكافية.
لكن السؤال الذي يبرز هنا: ما حاجة الإسرائيليين إلى التطمينات عندما تكون موسكو على دراية مسبقة بكل الغارات الإسرائيلية التي استهدفت قوافل حاولت نقل الصواريخ من سوريا إلى «حزب الله»، ثم ما الحاجة إلى هذه الصواريخ، إذا كانت عمليات التنسيق بين طهران وتل أبيب قد استعادت المستوى المرتفع الذي كانت عليه أيام الشاه، وفي بداية الثورة التي تلقت التسليح والدعم من أميركا وإسرائيل في سياق ما يعرف بفضيحة «الكونترا» أو «إيران غيت»؟!
عندما يزور بنيامين نتنياهو موسكو ثلاث مرات متتالية في وقت تقلع فيه المقاتلات الروسية من القواعد الإيرانية لضرب سوريا، ويقوم الطيران الإسرائيلي بتدمير قوافل الصواريخ قبل وصولها إلى لبنان، ويعلن السفير الروسي في دمشق أن موسكو تتفهم جيدًا إعلان بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل لن تنسحب أبدًا من هضبة الجولان، وأنها قدمت ضمانات لإسرائيل حيال الوجود العسكري الإيراني في سوريا، عند كل هذا يصبح من غير المستغرب أن يطرح كثيرون في المنطقة السؤال: إذا كان بوتين يريد إحياء معادلة «الاستقطاب» في وجه أميركا، انطلاقًا من منطقة الشرق الأوسط وعبر إيران وإسرائيل، فهل من الكثير أن يطمح هذا الثنائي إلى السعي لإضعاف الوضع العربي، والسؤال الأهم ليس كيف تتم ترجمة شعار «الموت لإسرائيل»، بل أين ضاعت فلسطين وطبول فلسطين؟!