بطل.. رغم أنف المأساة

مارك وولبرغ في «ديبووتر هورايزون»
مارك وولبرغ في «ديبووتر هورايزون»
TT

بطل.. رغم أنف المأساة

مارك وولبرغ في «ديبووتر هورايزون»
مارك وولبرغ في «ديبووتر هورايزون»

Deepwater Horizon
إخراج: بيتر بيرغ
دراما، تشويق | الولايات المتحدة - 2016
تقييم الناقد: ** (من خمسة)
في العاشر من أبريل (نيسان) سنة 2010 وقعت كارثة تلوّث اعتبرت أكبر كارثة من نوعها في التاريخ الأميركي. محطة بترول بحرية تابعة للشركة البريطانية العملاقة «BP» انفجرت بنفطها المستخرج من عمق المحيط في خليج المكسيك ما نتج عنه تلوث البحر ومقتل ثروته المائية والبرمائية على حد سواء إلى جانب مقتل 11 عاملاً في تلك المحطة التي حملت اسم «ديبووتر هورايزن».
في التاسع من مارس سنة 2011 تم شراء حقوق تحقيق شارك في كتابته ديفيد رود وستيفاني صول حول الحادثة ونشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز». وفي عام 2014 تم التواصل مع المخرج ج. س. شاندور («كل شيء ضاع» من بين أخرى جيدة) لتحقيق هذا الفيلم لكن المخرج اصطدم برغبة شركة الإنتاج بتحقيق فيلم إثاري حول الموضوع. فيلم يحوّل الكارثة الحقيقية إلى احتفاء بحد ذاته لكون ذلك، في العرف المتداول، الطريقة الصحيحة لإنجاز فيلم من هذا النوع.
بيتر بيرغ الذي سبق له أن حقق «المملكة» (1977) و«هانكوك» (2008) و«سفينة حربية» (2012) من بين أخرى معتدلة الأهمية والقيمة، استلم المهمة. والآن بعد ست سنوات على الكارثة نشاهدها مرتسمة على الشاشة على نحو مزدوج: هو فيلم - كارثة عن حدث كارثي.
لدينا خبير الإلكترونيات مايك (مارك وولبرغ) الذي يستيقظ صباح اليوم الذي سيتوجه فيه إلى الحقل المائي. تلك الدقائق الخمسة تكاد تكون الدقائق الواقعية الوحيدة إذ يتحدّث لزوجته وابنته ويتناول طعام الإفطار ثم يقبلهما وداعًا للتوجه إلى عمله على أن يلتقي بهما بعد ثلاثة أسابيع. لكن الفيلم من تلك النقطة وما بعد يهرول كما لو أن هناك عصا تلاحقه. نصف الساعة التالية هي ثرثرة متمادية جلها المعلومات التقنية والعلمية التي - بعد الكثير من الشرح - ما زالت مبهمة كون الحديث حولها وليس فيها. يقرر الفيلم هنا أن الصيانة هم مايك ورئيس المحطة جيمي (كيرت راسل) لكنها آخر هموم المندوب المشرف لشركةBP جون مالكوفيتش.
بعد جدال حول هذا الموضوع يدخل مايك حجرته لإجراء اتصال عبر «سكايب» مع زوجته ويقرر جيمي أخذ حمام في حجرته. في الوقت ذاته تبدأ مشكلات المحطة. لقطات لأجهزة لا تعمل وعقارب ساعاتها تهتز وصراخ ضاج من قبل الجميع يليه بدء تسرب النفط المفترض به أن يمر فقط عبر أنابيب محمية، ثم ذلك الانفجار الذي يهز المحطة ويدمرها مشهدًا بعد مشهد.
مايك، كونه بطل الواقعة هنا، كان مشغولاً بحديث لا يهم المشاهدين مع زوجته عندما بدأ يشعر بشيء غير عادي. ثم يكتشف أن كل ما حوله ليس عاديًا عندما تهتز غرفته ويسمع دويًا هائلاً. ينطلق بعده ليدرك هول ما وقع، ولينقذ العديد من الموظفين والعمال بمفرده.
هاك إذن، فيلم عن مأساة نتج عنها مقتل 11 شخصًا لكن التركيز سينحصر في الشخص الناجي. مايك هو البطل رغم أنف المأساة وفي فيلم لا يثير التشويق بل الأعصاب. فيلم صوت مضج وصورة مهتزة وأحداث مزدحمة محشورة بينهما.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.