مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

هناك فرق بين الحرص والبخل

من أحقر الصفات في الإنسان هي صفة البخل – خصوصاً بخل الرجل على زوجته وعياله – ولكي أضع النقاط على الحروف لا بد وأن أوضح أن هناك فرقاً شاسعاً بين (الحرص) وبين (البخل).
وقبل مدة قرأت في إحدى الصحف المصرية: أن زوجة في القاهرة أقامت دعوى قضائية أمام المحكمة، تطلب (الخلع)، وقالت: إنه بعد زواج دام خمسة وعشرين عاماً، والعيش في ظروف صعبة وتحمل مشقة العمل، وعناء الأبناء وسط الحياة القاسية، اكتشفت صدفة أن زوجي الذي يدعي الفقر تعدت ثروته خمسة ملايين جنيه، إضافة إلى عقارات وأراض – انتهى.
وهي ذكرتني بحادثة حصلت في جدة بالسعودية، فقد حدثني صديق يعمل موظفاً في أحد البنوك، وقال: استدعاني رئيسي للبحث والتبليغ عن رجل لديه حساب عندنا، وقد مضى عليه أكثر من عام وحسابه راكد لا يدخل فيه شيء ولا يصرف منه شيء، وتليفونه مقطوع، ولا نعرف عنوانه، وبعد التقصي والكثير من الأسئلة بواسطة بعض الجهات الحكوميه، وصلنا إلى سكنه وإذا به في منطقة عشوائية، وهو عبارة عن بيت من الصفيح والخشب والبلوك المتهالك، وقرعنا عليهم الباب، وخرجت علينا عجوز شعثاء، وسألناها عن فلان نريد أن نتحدث معه، فقالت: أنا أمه ولكنه مات منذ سنة تقريباً، ولكن لماذا تسألون عنه؟!، فقلنا لها إن لديه حساب في البنك مقداره أكثر من (ستين مليون ريال)، وما ‘ن سمعت ذلك حتى كاد يغمى عليها، لولا أن تماسكت نفسها، وجلست تدعو على ابنها والدموع تتساقط من عينيها وقالت لنا: اعذروني لأنني دعوت عليه ولم أترحم، فهو قد عيشنا أنا وزوجته وأطفاله عيشة (الوزى والضنك) طوال ثلاثين عاماً إلى درجة أننا كنا نعيش على صدقات المحسنين، وكان طوال حياته يدعي الفقر – انتهى.
وبالمناسبة فمن قراءاتي التاريخيه:
قال أحدهم: مررت مع رفيق لي بفلاة، وإذا نحن بأعرابية كأنها فلقة قمر، فقالت: هلم إلى القرى – أي تفضلوا تريد أن تكرمهم -، فلما دخلنا خباءها وجدنا قبراً، فقلنا لها: ما هذا؟، فتنفست الصعداء، ثم قالت: قبر خليلي – تقصد زوجها -، كان يظهر ودي، ويحسن رفدي – أي لا يبخل عليّ بشيء -، فمات فدفنته عندي، فقلت لها: فهل لك فيمن يجدد ما قد درس من وده، ويزيدك إحساناً إلى رفده، فتغيّر وجهها، وأسيلت دمعتها، وقامت مولّية وهي تقول:
وإنّي لأستحييه والتّرب بيننا
كما كنت استحييه حين يراني
فإن تسألاني عن هواي فإنني
رهينة هذا القبر يا رجلان
قالت لنا ذلك ولم تعد إلينا حتى خرجنا.