باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

طهران والقضية الفلسطينية

منذ اليوم الذي جلس فيه الخميني على عرش الجمهورية الإيرانية واستقبل ياسر عرفات معلنًا تأييده للقضية الفلسطينية.. حتى يومنا الذي يقاتل فيه «حزب الله» المعلن الولاء لإيران وولاية الفقيه في سوريا، الشعب السوري الثائر على نظام حكمه الذي لم يسبق في التاريخ شبيه به جورًا وقمعًا وظلمًا.. لم تكفَّ طهران عن رفع راية مقاومة إسرائيل والتهديد بإزالتها من الوجود، ومد حلفائها فيما سمي جبهة الممانعة والمقاومة، التي تضم الأنظمة الحاكمة في العراق وسوريا و«حزب الله» في لبنان وحماس في قطاع غزة.. بالسلاح والمال والمقاتلين.
من الخارج تبدو إيران الحامل الجديد لراية مقاومة إسرائيل بعد أن كانت الدول العربية هي التي تقاطع وتقاتل إسرائيل تحتها. ولكن الحقيقة ليست كما تبدو من الخارج، أو كما تصورها إيران. بل إنها خطة سياسية متعددة الأهداف والغايات.
الغاية الأولى هي كسب الرأي العام العربي والمسلم، كون القضية الفلسطينية تشكل جرحًا لم يكفَّ عن النزف في العالمين العربي والإسلامي. منذ قيام إسرائيل واحتلال فلسطين والقدس وتشريد الشعب الفلسطيني.
أما الغاية الثانية فهي إحراج الأنظمة العربية المتصدية لاستراتيجية هيمنتها، بتصويرها «مقصرة» أمام شعوبها في مقاومة إسرائيل أو الدفاع عن القضية الفلسطينية. أما الغاية الثالثة فهي وضع شرخ بين المقاومة الفلسطينية والعربية وتأليبها على بعضها بعضًا، كما فعلت بين فتح وحماس. وأما الغاية الرابعة من تهديدها الشفهي والصاروخي (والذري) لإسرائيل، فهي الضغط غير المباشر على الولايات المتحدة والرأي العام في الغرب المتعاطف مع إسرائيل، للحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية.
رب قائل إن الأفعال أصدق من النيات، وإن ما قدمته طهران من مساعدات لحماس ولـ«حزب الله» عزز دورهما في مقاومة إسرائيل، وحقق لـ«حزب الله» ما يسميه «انتصارًا» عسكريًا على إسرائيل، وإن وجود آلاف الصواريخ إيرانية الصنع بين يدي «حزب الله» في لبنان موجهة إلى إسرائيل هو نوع من الانتصار أو الردع العسكري لها. لكن ماذا فعل كل ذلك، لقد دكّت إسرائيل كل شيء في لبنان، وماذا سيحل بلبنان إذا ما نشبت حرب جديدة. إن إيران بعيدة آلاف الكيلومترات عن إسرائيل، بينما لبنان على «مرمى حجر» منها.
لو لم تكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية الثورية الشيعية تنفذ مع ومن وراء تبنيها للقضية الفلسطينية ودعمها للمقاومة وعدائها الإعلامي لإسرائيل، استراتيجية عرقية مذهبية للهيمنة على المشرق العربي، لكانت نتائج هذا التبني إيجابية ورافدًا مهمًا لدعم الحق الفلسطيني والضغط على إسرائيل.
لقد أودت سياسة الهيمنة التي تتبعها طهران في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين إلى ما أودت إليه من تفسخ دول، وتقاتل أبناء شعب واحد وتهجير الملايين من منازلهم وسقوط مئات الألوف من الضحايا، وتدمير مدن عراقية وسوريا بكاملها.. فكل ذلك لا يغطيه، لسوء الحظ، بيانات تهاجم إسرائيل وخطابات تهدد بإزالتها من الوجود.
إن أفضل خدمة يمكن لإيران أن تقدمها للقضية الفلسطينية وللعرب والمسلمين، هي أن تتخلى عن مشروعها الإمبريالي العنصري المذهبي، للهيمنة على المنطقة، وأن تساعد على إطفاء الحرائق التي أشعلتها مباشرة أو أججت نيرانها في الدول العربية. وأن تساعد على توحيد الصف الفلسطيني.
ختامًا، ثمة بيت من الشعر الفرنسي يحضرني يقول: «نعم إني أضمه إلى صدري بشدة.. لا حبًا به، بل لأفطسه».