العلاقات التركية ـ الروسية.. صفحة جديدة من التقارب

تجاوز نقاط الخلاف وحادثة إسقاط المقاتلة.. واهتمام كبير بزيارة بوتين

الجنرال عكار قائد القوات المسلحة التركية (يسار) مع نظيره الروسي فاليري جيراسيموف يتفقدان الحرس الجمههوري في أنقرة خلال زيارة الأخير لتركيا (أ.ب)
الجنرال عكار قائد القوات المسلحة التركية (يسار) مع نظيره الروسي فاليري جيراسيموف يتفقدان الحرس الجمههوري في أنقرة خلال زيارة الأخير لتركيا (أ.ب)
TT

العلاقات التركية ـ الروسية.. صفحة جديدة من التقارب

الجنرال عكار قائد القوات المسلحة التركية (يسار) مع نظيره الروسي فاليري جيراسيموف يتفقدان الحرس الجمههوري في أنقرة خلال زيارة الأخير لتركيا (أ.ب)
الجنرال عكار قائد القوات المسلحة التركية (يسار) مع نظيره الروسي فاليري جيراسيموف يتفقدان الحرس الجمههوري في أنقرة خلال زيارة الأخير لتركيا (أ.ب)

دخلت العلاقات التركية الروسية مرحلة جديدة عقب تجاوز أزمة إسقاط تركيا المقاتلة سو - 24 في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، وفتح صفحة جديدة للتعاون حتى في الملفات المختلف عليها، وأهمها الملف السوري. حادثة الطائرة تسببت في توتر العلاقات بين البلدين إلى أن عادت لطبيعتها في يونيو (حزيران) الماضي، بعد رسالة الاعتذار التي بعث بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى بوتين معربًا فيها عن أسفه، ثم زيارته روسيا في 9 أغسطس (آب) الماضي.
ويزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا بعد غد (الاثنين) للمرة الأولى منذ أزمة الطائرة المقاتلة. وأعلنت الرئاسة التركية أمس (الجمعة) أن زيارة بوتين المرتقبة إلى تركيا من شأنها تسريع عملية التطبيع بين البلدين، والإسهام في تطوير التعاون الثنائي.
وذكر بيان صادر عن المكتب الإعلامي للرئاسة التركية أن زيارة بوتين جاءت تلبية لدعوة نظيره التركي رجب طيب إردوغان، وسيشارك في مؤتمر الطاقة العالمي الذي سيعقد في إسطنبول. ومن المقرر أن يعقد الرئيسان لقاء لبحث القضايا الثنائية والإقليمية. وكان إردوغان أجرى الأربعاء اتصالاً هاتفيًا مع بوتين، لبحث الموقف في حلب وسبل تقديم المساعدة الإنسانية للسكان المحاصرين.
كما التقى إردوغان بوتين على هامش اجتماعات مجموعة العشرين في الصين أخيرًا، ويؤكد خبراء ومحللون أن تركيا لديها رغبة كبيرة في تعزيز علاقاتها مع روسيا انطلاقًا من المصالح المشتركة، لا سيما أن العلاقات التركية - الأميركية ليست في أفضل حالاتها الآن، على خلفية التباين في المواقف بشأن أكراد شمال سوريا وأزمة تسليم الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في أميركا، الذي تتهمه السلطات التركية بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وحققت زيارة إردوغان لروسيا ولقائه بوتين في سان بطرسبرغ في 9 أغسطس الماضي نتائج مباشرة فيما يتعلق بالملف السوري، أهمها إغلاق موسكو مكتب حزب الاتحاد الديمقراطي السوري وتشكيل آلية للتعاون الثلاثي بين القوات المسلحة والمخابرات ووزارتي الخارجية في البلدين، للتنسيق بشأن سوريا وتلافي أي حوادث على غرار إسقاط القاذفة الروسية.
ووصف وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، التعاون التركي - الروسي فيما يخص القضية السورية، بالجيد، منوهًا بأن وصفه للتعاون المشترك بالجيد لا يعني بالضرورة أن الجانبين متفقان باستمرار، لكن «على الأقل تمكنا من إنشاء لغة حوار فيما بيننا حتى في المواضيع التي لم نكن متفقين فيها».
وذكر أوغلو أن الحوار التركي - الروسي يجري في إطار من الثقة والصراحة، منوهًا بأهمية ذلك، ولا سيما في حالة الأزمات، مضيفًا أن الطرفين عملا على إنشاء آليات مختلفة ومشتركة على الصعيد السياسي، والاستخباراتي، والوزاري، مؤكدًا أن هذه الآليات عملت بشكل جيد.
وأعرب جاويش أوغلو عن رغبة بلاده في إيصال علاقاتها والتعاون المشترك مع الجانب الروسي، إلى مستوى أفضل مما كانت عليه قبيل إسقاط الطائرة الروسية من قبل القوات المسلحة التركية، قائلاً: «لدينا رغبة سياسية حقيقية في هذا الصدد»، مشيرًا إلى أن رؤية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين تتوافق وتصب في الاتجاه نفسه، لافتًا إلى أن إردوغان أكد هذا الأمر.
من جانبه، استبعد وزير الدولة التركي لشؤون المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، عمر جليك، أن يكون تطوير علاقات بلاده مع روسيا والتقارب - التركي الروسي الأخير رسالة للدول الغربية، قائلاً إن تركيا لم تجرِ أي تغيير في مسارها بهذا الخصوص.
وأوضح جليك أن «بعض الأطراف رأت أن أنقرة تبتعد عن الغرب أو تُدير ظهرها له من خلال التقارب مع موسكو، لكن هذا الأمر غير صحيح، وليس هناك أي تغيير للمسار في هذا الخصوص»، مؤكدًا أن «كل من يعتقد عكس ذلك فهو مُخطئ».
واعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي سمير صالحة في تعليق لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة بوتين لتركيا بعد غد (الاثنين) ستكون زيارة مهمة جدًا لجهة تحقيق تفاهم تركي - روسي شامل بالنسبة للملف السوري وليس فقط بالنسبة لعملية درع الفرات التي بدأتها تركيا لدعم الجيش السوري الحر في شمال سوريا في 24 أغسطس الماضي، والمستمرة حتى الآن، بل كذلك بالنسبة لمستقبل حلب وحسابات واشنطن وبغداد بالنسبة لمعركة الموصل المرتقبة ومحاولات أميركا استخدام هذه المعركة ورقة لتحقيق معادلتها الخاصة في الملفين السوري والعراقي، بعد أن اتضح فشلها في التعامل مع الواقع على الأرض خلال عملية درع الفرات وعدم تعاطيها الإيجابي مع تركيا في هذا الشأن، مما كشف عن فشل السياسة الأميركية في سوريا.
أما الخبير في العلاقات التركية - الروسية أورهان غفارلي، فاعتبر أن بوصلة العلاقات التركية - الروسية غيّرت اتجاهها بشكل تام عشية لقاء إردوغان وبوتين العام الحالي، موضحًا أن الجانب الاقتصادي والسياحي الذي شهد تدهورًا أثناء أزمة المقاتلة الروسية، عاد ليزدهر مع لقاء الطرفين، وفي ظل ازدهار الجانب الاقتصادي فإن عودة النشاط الدبلوماسي بين البلدين بات أمرًا طبيعيًا للغاية.
وأوضح أن النشاط الدبلوماسي التوافقي ترجم على أرض الواقع مع شروع تركيا بعملية درع الفرات، ليظهر الطرفان رغبتهما في تعجيل حل الأزمة السورية بناءً على أهدافهما، وليس وفقًا لأهداف الطرف الآخر؛ أميركا.
وأوضح أن التوافق التركي - الروسي أحبط خطة تأسيس كيان كردي على امتداد الشمال السوري.
ورأى أن النجاح التركي في عملية درع الفرات في جرابلس رفع مستوى العلاقات التركية - الروسية على حساب حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، وأن تركيا أثبتت قدرتها على التحرك المشترك، وهذا ما سيجذب روسيا نحو مزيد من التعاون مع تركيا خشية تقاربها مع أميركا. ويرى الخبراء أن هناك ملفات حساسة في العلاقات التركية - الروسية مثل شبه جزيرة القرم وملف ناجورنو كاراباخ، لكن كلاً من أنقرة وموسكو لن يسمحا لمثل هذه القضايا بالتأثير على علاقاتهما، كما أن التوتر الذي حدث بسبب حادث الطائرة لن يُسمح له بأن يتكرر.
اقتصاديًا، أثمرت الخطوات التي اتخذت لتطبيع العلاقات بين أنقرة وموسكو في الفترة الأخيرة عن خطوات مهمة على الصعيد الاقتصادي، منها رفع الحظر على رحلات الشارتر السياحية من روسيا إلى تركيا مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، والبدء في الخطوات التنفيذية لمشروع السيل التركي لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، الذي توليه تركيا أهمية كبيرة، وعودة صادرات المواد الغذائية واستئناف شركات المقاولات التركية عملها في روسيا.
وقدرت خسائر تركيا من فترة توتر العلاقات التي استمرت 9 أشهر بنحو 20 مليار دولار، منها 5 مليارات دولار في مجال السياحة وحدها. وفي هذا السياق، قال وزير الطاقة التركي برآت ألبيراق، إن علاقات بلاده مع روسيا ستعود إلى سابق عهدها، وستُبنى على قاعدة الربح المتبادل، وسينعكس تطور العلاقات بينهما على الاستقرار الاقتصادي للمنطقة برمتها.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.