محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

بانتظار الروبوتس

كنت من بين المنتظرين في صف طويل في مصرف «باركليز» قبل نحو عشر سنوات عندما قام البريطاني الأبيض الأكبر سنًا بإطلاق شتيمة ثقيلة على مسامع موظفي المصرف. فالانتظار طال لأجل الوصول إلى أحد الموظفين الاثنين الوحيدين (من أصل خمسة مناصب مصفوفة، ثلاثة منها خالية). في الوقت ذاته، كان المصرف في ذلك اليوم قرر وضع آلات جديدة تستطيع أن تقوم، كما قيل، بكل أو معظم الخدمات التي يقوم بها الموظف البشري. فقط اضغط على نصف دزينة من الأزرار وعلى شاشة تتسخ سريعًا من كثرة اللمس، وتحصل على ما تريد حتى لو كان تقريرًا مفصلاً عما أودعته أو ما صرفته من أموال في حسابك أو حساباتك.
لكن تلك الآلات قررت ألا تعمل. وعامل الصيانة كان منكبًّا عليها في الوقت الذي كان فيه أحد الموظفين يوزّع على المنتظرين ابتسامة عريضة، والدعوة إلى استخدام الآلات الجديدة، والرجل البريطاني الأبيض الأكبر سنًا لم يستطع تحمّل توجيه دعوة لآلات لا تعمل، ولا انتظار توفير مزيد من الموظفين البشر، لكي يتم تسهيل المهام وتوفير الوقت.
قبل أسبوعين كنت في الفرع ذاته، ووجدت أن اثنتين من تلك الآلات لا تعملان، فتذكرت ما حدث. لكن، للإنصاف، كل الأجهزة الأخرى كانت تعمل وقد ازداد عددها وتنوّعت الآن. هذا للسحب وهذا للإيداع وهذا للمعاينة، ويقال إنه قريبًا سيتم وضع آلات تطبخ شوربة الدجاج أو تصنع شرائح البيتزا.
رغم ذلك معظم الزبائن ما زالت تفضل أن تنتظر في الصف الطويل ذاته، لكي تصل إلى أحد الموظفين. تلقي التحية أو ترد عليها وتبدأ بعبارة لطيفة قبل ولوج الموضوع.
الآن أقرأ عن أن المستقبل يعد بسيارات تاكسي بلا سائق. وأن إحدى النقاط الإيجابية هي أنه سوف لن يكون هناك ذلك السائق الذي يجري اتصالاً هاتفيًا وهو يقود السيارة. لكن لحظة.. سأصعد سيارة بلا سائق؟ طائرة بلا ملاح؟ ماذا لو أخطأت التقنيات فلم تتوقف السيارة في المكان الذي أنوي الوصول إليه؟ ماذا لو أن الطائرة حطت فجأة فوق الأدغال وقد تجاوزت مطار ريو دي جانيرو، أو حطت على سطح البحر قبل وصولها إلى مطار بيروت أو نيس؟
ماذا لو أن السيارة قررت أن تتوقف فجأة في منتصف شارع الشيخ زايد أو في منتصف الشانزليزيه؟ أو إذا انحرفت في الطريق السريع واصطدمت بالسيارات الأخرى؟ لا. شكرًا، أفضل في هذه الحالة أن أمشي المسافات مهما طالت وأرتاح في مقاهي الشارع إذا تعبت.
تستطيع دائمًا أن تطلب من سائق التاكسي إغلاق هاتفه وسيفعل. أفضل أن أضع أماني الشخصي بين يدي البشر على أن أجلس في المقعد الخلفي تاركًا القيادة لفراغ وراء المقود، وأن أصعد طائرة فيها كابتن ومساعدوه على أن أكون في طائرة مسيّرة من كومبيوتر على الأرض.
هم دائمًا يبدأون محاولة ترويج عالم من الروبوتس المستقبلي قبل إطلاقه. لكن، ماذا سيفعل الروبوتس غير أنه سيزيد من نسبة العاطلين عن العمل؟ هل ستتحقق نبوءة ستانلي كوبريك وسواه فيحتل صدارة القرارات ويزيحنا من القدرة على ممارسة أشياء نحب ممارستها بأنفسنا؟ البعض يقول إن هذا لن يقع في القريب العاجل، لكن هذا لا يعني أنه لن يقع. والمسألة اجتماعية واقتصادية وتتعلق في نهاية المطاف فيما إذا كنا نحن البشر ما زلنا نتحكم في حياتنا أو أننا سنتحول نحن إلى روبوتس.