مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أسرع من (البوينغ) يا لابس الطرحة

أثناء إقامتي في (نيويورك) قبل ثلاثة أعوام، استهواني في تلك الأيام الكئيبة التركيز ومشاهدة قناة تلفزيونية صينية موجهة بالدرجة الأولى لأهل نيويورك، استطعت من خلالها أن أعرف عن تلك البلاد ما لم أعرفه من كل الكتب التي قرأتها عنها، فهي قناة متنوعة شاملة، تمخر أرض وتاريخ الصين - حلوة كلمة (تمخر) هذه - ولا أدري من أين أنا جبتها؟! ولكنها أتت هكذا تلقائيًا، فأرجوكم المعذرة على هذا المخر.
المهم أن فيها كل ما يمت للصين بصلة، من الفنون، إلى الصناعات، إلى الأكل، إلى الرياضة، إلى التقاليد، إلى الآثار، إلى الأزياء، إلى حتى (علب الليل)، فهي قناة صريحة واضحة تتحدث بالأرقام مثلما تتحدث ساعة (غرينتش).
وأخذت أسائل نفسي عن تلك العقود الثلاثة التي كبلت الصين بما كان يسمى (الثورة الثقافية) التي ورطها فيها (ماوتسي تونغ)، لو أنها سلمت منها، فكيف كان سيصبح حالها الآن؟!
ولكنها ومع ذلك لم تجلس تندب حظها، فما إن ذهب (ماو) إلى حال سبيله، حتى تركت صوره وتماثيله كما هي وشمرت عن أكمامها وبدأت بالعمل الحقيقي.
وعرفت أنهم في كل عام يوظفون ما لا يقل عن أحد عشر مليون عاطل عن العمل، وأصبح لديهم الآن (535) ألف (مليونير) يملكون أكثر من (2.66) تريليون دولار، ولديهم (115) مليارديرًا، إلى درجة أنه كنوع من العبث اشترى أحدهم كلبا من نوع (بيغ سيلاش) الذي لا يوجد بغير (التبت) بمبلغ مليون وخمسمائة ألف دولار، بحجة أن ذلك الكلب متقمص روح أحد الرهبان الذي يحبه ذلك الملياردير.
الصين الآن اقتصاديًا هي الثانية آسيويًا، والرابعة عالميًا، وبعد ثلاثة عقود قد تكون الأولى عالميًا.
ولن تفرح طويلاً دبي أو شركة (المملكة) بارتفاع برجيهما، لأن الصين عازمة على أن تشيد في (شنغهاي) برجًا ارتفاعه كيلومتر ونصف، وسوف تشق نفقًا تحت الأرض طوله (123) كيلومترًا، وهي الآن تجري التجارب على قطار سرعته (602) كيلومتر في ساعة - أي أنه على سبيل المثال يقطع المسافة من الطائف إلى الرياض في ساعة ونصف، ومن جدة إلى مكة في عشر دقائق.
والآن تذكرت أغنية (هيام يونس) التي كتبها لها ومن أجل عينيها الشاعر المرحوم (طاهر زمخشري) والتي يقول فيها: (أسرع من البوينغ يا لابس الطرحة).
فعلاً لا خيالاً سوف تكون في مستقبل الأيام أي فتاة تلبس الطرحة أسرع من البوينغ، المهم أن تنتبه على نفسها وتربط الحزام جيدًا، لأنها لو لم تفعل ذلك سوف تطير هي مع طرحتها بالهواء، ولن تجد هناك مشعلاً سوف يتلقاها بين ذراعيه، بل بالعكس سوف يحوص ويروغ عنها مثلما (يروغ الثعلب).