خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الرئيس الظريف

لم يشتهر العراق في هذه الأيام كما اشتهرت مصر كبلد يعج بالظرف وروح النكتة. وبين العراقيين، ينطبق ذلك بصورة خاصة على الشعب الكردي. النكتة الكردية هي ما يتندر به بقية العراقيين على حساب إخوانهم الأكراد. بيد أنه ظهر من بينهم رجل يهوى النكتة والتنكيت، السيد جلال طالباني، الزعيم الكردي الذي أصبح رئيسًا للجمهورية العراقية حتى الأيام الأخيرة عندما ألم به المرض. عافاه الله وأطال في عمره.
أحب طالباني روح النكتة، وأثناء لقائنا به قبيل سنوات قليلة، ونحن معشر الصحافيين والأكاديميين، ألقى علينا من مكتبه الرئاسي، كلمة توجيهية عن الوحدة الوطنية. يا ليتنا ويا ليت كل العراق يتعلم منها شيئًا. ولكنه لم يتوقف فانتقل من الموضوع، من عالم الجد إلى عالم الفكاهة. سألنا: ماذا سمعتم منها؟ قلنا له: هاتنا مما عندك يا ريس!
روى لنا كيف أنه في زيارة رسمية قام بها إلى الصين، حدثه التشريفاتي الصيني فقال: نحن في الصين تلد نساؤنا طفلاً في كل عشر دقائق. قال السيد طالباني: فضربت يدًا بيد. وقلت: يا خسارة عندنا المرأة الكردية تحتاج تسعة أشهر لتلد لنا ولدًا واحدًا!
لم تفته النكتة حتى في زحمة القتال. كان يقود شلة من مقاتلي البيشمركة. حدث أن غنموا من الجيش العراقي بندقية بورنو ممتازة. سألوه: ماذا نفعل بها؟ قال: أعطوها لكاكا حسن. ففعلوا. وكانوا قد اتخذوا من مجرى ماء جبلي نوعًا بدائيًا من المرحاض. وضعوا عليه لوحة خشبية عملوا في وسطها ثقبًا لمرور ما تجود به البطون من فضلات. ذهب طالباني في اليوم التالي لاستعمال اللوحة/ المرحاض فوجد أنها لم يعد بالإمكان استعمالها. استشاط غضبًا، ثم سأل أتباعه من المقاتلين: من فعل هذا؟ قالوا: كان كاكا حسن آخر من استعملها. قال: هاتوني به. وعندما حضر قال له: «أرجع لنا البندقية البورنو. أنت لم تستطع أن تهدف في ثقب مرحاض، كيف ستستطيع أن تستعملها وتهدَف بها العدو»؟
وكانت نكتة أصيلة في جوها وتفاصيلها. شاعت شهرته بالظرف والتنكيت حتى بعد توليه المسؤولية. وهو ما حدا بالتلفزيون العراقي أن يستضيفه، لا للتحدث في السياسة وشؤون البلد، وإنما ليروي مما عرفه واعتز به من النكات والقفشات طوال حياته المديدة. وأعتقد أن هذه كانت أول مناسبة تلفزيونية لاستجواب رئيس دولة في مواضيع الفكاهة والتنكيت. لم نسمع بمثلها حتى من جمال عبد الناصر الذي شاعت النكات عنه.
كان مام جلال حاضر البديهة والنكتة حتى في أكثر المواضيع جدة. التقى بوزير الطاقة في مكتبه. وكانت وما زالت أيام شكوى الجمهور من انقطاع الكهرباء. كان التخريب الإرهابي السبب الرئيسي في هذه المشكلة. فسأل الوزيرَ: كيف ستحمي منشآتكم؟ فأجابه الوزير: سندفن الأسلاك تحت الأرض بحيث لا يعرف الإرهابيون مكانها. قال: هذا حسن. ولكن يا عيني على العصافير أين ستوكر؟