سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

قمة اللاجئين.. الأرقام لا تكذب

«أمامنا فجوة تقدر بعشرين مليار دولار، ونأمل أن تقوم هذه القمة بسد هذا الخلل. مبلغ 20 مليار دولار قد يبدو كبيرًا إلا أنه أقل مما يصرف على التسليح في أربعة أيام، أو ما يعادل ميزانية بنك صغير. يجب علينا أن نسد هذا الفراغ وبسرعة»..
هكذا افتتح الرئيس السابق للدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة مونيس ليكوتفت، قمة اللاجئين والمهاجرين في نيويورك أمس. فعلاً 20 مليار دولار مبلغ ضخم وليس بالبسيط، لكن ولأن الأرقام لا تكذب، ولأن الفوضى والتزوير يجتاحان العالم حول من يدعم اللاجئين بالأفعال ومن يفعلها بالأقوال فقط لا غير، فقد وضع موقف المملكة الذي كشف عنه أمس الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي، في كلمة بلاده أمام القمة ذاتها، النقاط على الحروف، مغلقًا تشكيكًا طويلاً واتهامات لا أساس لها للموقف السعودي الإنساني من اللاجئين. آن الأوان لأن يلتفت العالم للمعلومة الموثقة، ويترك الأقاويل والتكهنات، فمن قدم 139 مليار دولار مساعدات إغاثية خلال الأربعة عقود الماضية هي السعودية، والدولة الثالثة عالميًا من حيث حجم المعونات الإغاثية والإنسانية والتنموية ليست بريطانيا ولا فرنسا بل هي السعودية، ومن يستقبل 2.5 مليون مواطن، وليس لاجئا، سوريًا، هي السعودية، ومن يمنحهم حرية الحركة الكاملة دون أي قيود أو وضعهم في معسكرات لجوء أو خيام في البرد والصقيع، هي السعودية، ومن يستقبل 141 ألف طالب سوري و285 ألف طالب يمني على مقاعد الدراسة المجانية هي أيضًا السعودية.. في النهاية لا توجد دولة في العالم قدمت وتقدم ما تقدمه المملكة لقضية اللاجئين على الإطلاق، مع التأكيد على أن ما تقوم به الرياض لم ينشأ اليوم أو أمس أو من ضغط دولي أو غيره، بل هي سياسة عامة تبنتها الحكومة السعودية منذ عقود مضت، بل قبل أن تظهر أزمة اللاجئين على الواجهة كما هي في السنوات القليلة الماضية.
ومع ذلك، وفي ظل حركة نزوح غير مسبوقة في حجمها وفرار الملايين من بلادهم إلى دول اللجوء، دون أن يكون هناك استعداد لدى الدول المستقبلة لحلول مستدامة، ومع كل ما قدمته السعودية وقلة من دول العالم، مثل تركيا والأردن، للاجئين السوريين، فإن هذه المساعدات يمكن اعتبارها حلاً مؤقتًا، والحل الحقيقي والواقعي هو إيجاد تغيير حقيقي لإعادة بناء دول النزوح، ومن ثم إعادة اللاجئين إلى ديارهم، أو كما قال الأمير محمد بن نايف إن بلاده «تؤمن بأن الخطوة الأولى والأساسية للتعامل مع تلك الأزمات هي تكثيف الجهود لحل النزاعات القائمة في العالم»، وبالنظر إلى ما عاشه الشعب السوري من مآسٍ خلال خمسة أعوام منذ اندلاع الأزمة السورية، فإنه لا حل واقعيًا لأزمة اللاجئين السوريين، غير رحيل نظام بشار الأسد عن السلطة، فالأكيد أن وجود بشار على رأس السلطة وممارساته القمعية التي تسببت بالقتل والتشريد وانتهاك حقوق الإنسان، هي السبب الرئيسي في وجود 12 مليون لاجئ سوري في الداخل والخارج.
في العام الماضي فقط، لجأ بسبب الأزمات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكثر من مليون شخص، لقي آلاف منهم حتفهم خلال محاولة اللجوء في البحر الأبيض المتوسط. وأخيرا، فإن العام 2015 شهد أعلى مستويات التهجير القسري على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، ومن غير إيجاد حل جذري بإنهاء تلك الحروب وفق رغبة دولية حقيقية، فإن أزمة اللاجئين ستزداد، وقضية المهاجرين ستتفاقم، مهما كانت الجهود ومهما فعلت الدول.