مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

أبو مسلم الخراساني الجديد

لا يوجد فكرة تتلبس الدين، إلا ولها جانب سياسي، توازي البعد الديني قوة، إن لم تتفوق عليه.
اليوم أحدثكم عن نموذج تاريخي مثير، أبو مسلم الخراساني، وهو شخصية عجيبة، فهو المؤسس الحقيقي للدولة العباسية بشرق الأرض، وقتل من أجل التأسيس، بالشبهة، أكثر من 600 ألف إنسان، كما ذكر شيخ المؤرخين الطبري.
هناك من قال إنه حفيد الحكيم الفارسي بزرجمهر، وهناك من قال إنه من سلالة آخر كسرى ساساني، يزدجرد الثالث، وأن الأخير حين أسقط العرب دولته، قال وهو ينظر لطاق كسرى بالمدائن، إنه سيخرج من ذريته من يعيد مجد الفرس، وللمفارقة فإن المؤسس الفعلي للدولة العباسية، أبو جعفر المنصور فتك بالخراساني سنة 137هـ بالمدائن!
الأكراد أيضا قالوا إنه منهم، وإن اسمه بهزاد، وإنه من جنوب كردستان. أما هو فقد ادعى مرة أنه من سلالة العباسيين، التاريخ يخبرنا أنه كان فتى مملوكًا أهدي لصاحب الدعوة العباسية، إبراهيم الإمام، ساكن (الحميمية).
حين قتله المنصور في مجلسه، بعدما رصد الحرس خلف الرواق، وقال لهم انهشوه بسيوفكم بعد أن أصفق لكم، صرخ أبو مسلم، استبقني لأعدائك، فرد المنصور: ويلك وأي عدو لي أعدى منك!
قال ابن خلكان: كان فصيحًا بالعربية وبالفارسية، حلو المنطق، راوية للشعر، عارفًا بالأمور.
قال المؤرخ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» وهو يتحسر على انحراف الثورة العباسية: «أتت دولة أعجمية، خراسانية، جبارة، ما أشبه الليلة بالبارحة». والتعليق الأخير موح، حيث كان الذهبي من علماء الحقبة المملوكية.
قال المؤرخ المصري، محمد الخضري بك، في تاريخه عن الأمويين والعباسيين شارحًا سبب فتك المنصور به: «على أن هناك أمرًا آخر ربما كان يدور بخاطره وهو أن يستقل أبو مسلم بأمر خراسان ويخلع المنصور ثم يختار للخلافة رجلا آخر يكون تحت تصرفه وسلطانه، فيعود الأمر لأهل فارس». (ص 431).
نقول هذا رغم أن أبو مسلم روى الحديث وحفظ الشعر العربي الجزل.
المفارقة أن شخصية أبو مسلم حاضرة في الثقافة الإيرانية، إيجابيًا، كما كان بمقرر التاريخ بالإعدادية، وهناك فريق كرة قدم، من الفرق الأولى، بمشهد، هو نادي أبو مسلم الخراساني، لم يتغير اسمه إلا قبل سنتين تقريبًا!
هذا رغم أن الرجل كان موطد حكم العباسيين الذين فتكوا بالعلويين، ما يعني أن شخصية أبو مسلم تم التعامل معها كبطل إيراني قومي، مثل رستم في العصر الساساني، وقاسم سليماني في العصر الحديث.
ألم نقل إن القصة لا يمكن اختصارها ببعد واحد!
فهل من فتكة منصورية جديدة؟!