فاضل النشمي
TT

أيُ مصير ينتظر العراق؟

(1)
حملت لنا الديمقراطية الاميركية نحن العراقيين عام 2003، اغلب عوامل تصدعنا! فمن شعب متعدد، تبدو عليه، وان ظاهرا عوامل التماسك والانسجام، الى جماعات متطاحنة، انفصلت عاطفيا عن بعضها، وان بقيت مرتبطة بجغرافيا موحدة شكلا.
(2)
في البدء، بدا ان كل الخيارات ممكنة، بمجرد ذهاب "غمة" صدام والبعث! غير ان سنين التيه اللاحقة، أظهرت خطأ أحلامنا، وباتت "وداعة" ايام الامس ذكرى عزيزة لا يمكن ان تعود! ستة آلاف سنة حضارة قصمت ظهورنا، حتى اننا ما زلنا نعيش اوهام سادة الحرف ومخترعيها!
(3)
يردد أغلبنا، بقناعة راسخة ، ان اعوام 2006- 2007، مثلت ذروة الاقتتال الطائفي بين الشيعة والسنة، على خلفية تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء، وذلك يضمر ، ان ملامح الحرب الأهلية ابتدأت عشية اطاحة نظام الرئيس صدام حسين عام 2003، وبلغت ذروتها في عام 2007، وان تلك الحرب العاصفة اخذت بالانحسار سيئا فشيئا حتى وصولها الى اللحظة الراهنة.
(4)
يتذكر الجميع مديات القسوة الهائلة التي بلغها العراقيون في سنوات 2006 -2007، لكن المشكلة، ان تلك الذكريات المؤلمة عطلت امكانية التفكير في السنوات اللاحقة.
سنوات التطرف السياسي الرهيب بلغت ذروتها مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، اذ ظل الرجل وخصومه يحفرون بكفاءة اسطورية، نفق الاحقاد المظلم في ضمائر وقلوب الشرائح الاجتماعية المختلفة، ليعود بعد سنوات على شكل تصدع خطير وصلت ذروته الى عام 2014.
(5)
نهش العراقيون بعضهم بعضا بطريقة مريعة، وبلغت الوحشية والتنكيل بالآخر المختلف مديات لا تطاق؛ هل في الوسع تصور مثلا، ان تلقي، مجموعة من الاشخاص القبض على احدهم بتهمة الاساءة الكلامية لاحد رموز الطائفة، فتقوم بشراء "علبة صمغ"، فتسكبها على منافذ الهواء لديه، الانف والفم ، لتخنق روحة وصوته الى الأبد؟!
(6)
حتى 2006 ، لم تأخذ مراكز القوة شكلها النهائي، كان الجميع تقريبا يشعر بقوة متساوية مع الآخرين. الكرد مقابل العرب، السنة مقابل الشيعة، خاصة بعد حصولهم على 91 مقعدا بزعامة اياد علاوي، شعروا انهم بصدد استعادة المبادرة وتحويل مسار السلطة لصالحهم. الشيعة استشعروا الضعف والخطر مؤقتا، لكن اغلبيتهم العددية في مجلس النواب امّنت لهم تطمينات مؤقته، تكللت بأخرى دائمة، بعد نجاحهم في إزالة قائمة اياد علاوي، وصعود المالكي لسدة رئاسة الوزراء.
(7)
بدأ المالكي ولايته الأولى عام 2006 بتواضع، لكنه حرص على ارسال رسائل قوة بحذر شديد، فضرب جماعات "جيش المهدي" في البصرة، واراد تعزيز مكانته كزعيم وطني، لكن اجواء التطرف العام، مدعومة بتطرفه الخاص، عقدت الأمور عليه وعلى البلاد.
(8)
مع ابتداء دورة المالكي الوزارية الثانية عام 2010، أضحت مراكز القوة اكثرا وضوحا، وصار المالكي "سيد العراق" مثلما قال حينها، بنبوءة مشؤومة السياسي حسن العلوي، ومن يومها سارت البلاد على سكة الهلاك، مارس الجميع لعبة الجنون رافعين شعار: اما ان نبيدهم او يبيدونا! ومع انسحاب آخر جندي اميركي شتاء 2011، تفجّر مكبوت المالكي الرهيب، وقد أجهد نفسه قبل ذلك التاريخ للسيطرة عليه، فشن حملة تنكيل ضد خصومه، وكان طارق الهاشمي أولهم.
(9)
لو توفر المالكي على مزاج أقل حدة، وضمير اكثر نزاهة، وقدر من الحكمة، وهو المعروف بنزعته الى الحزم، لكان نجح في تطوير حكم قوي ورشيد، يراعي حالة التمزق الاثني والطائفي التي اجتاحت البلاد، لكنه فضّل ركوب موجة التهور والفساد وترويع الخصوم.
(10)
خلقت استراتيجية ترويع الخصوم التي انتهجها رئيس الوزراءالسابق نوري المالكي حيال خصومة ، ردات فعل متطرفة مماثلة، زهد الجميع في مهنة الاطفائي الطيب، زادوا حرائق المالكي وقودا، ومع كل حريق سياسي، اطرافه المالكي وخصومه، كان على الدوام ثمة حريق اجتماعي بين المكونات، وظلت النيران مستعرة تحت رماد الضغائن والاحقاد.
(11)
خميرة سنوات التطرف السياسي والصراع الدامي على السلطة، نضجت تماما عام 2014، حينذاك، لاحت لنا اعوام 2006 – 2007، من بعيد وكأنها مجرد تمرين وراء كواليس مسرح الدماء الرهيبة التي ستسيل لاحقا.
(12)
بقناعة شبه تامة، يمكن القول ان عام 2014، أسوأ الاعوام السيئة منذ عام 2003 ، اعلنت فيه ما سميت بالخلافة وقابلتها فتوى جهاد، وكانت نتيجة طبيعية لفساد الضمائر والافكار السياسية والدينية والاجتماعية.
(13)
صعود" داعش" عام 2014، أفضى الى نتيجة نهائية مؤسفة، يصعب استساغتها، مفادها، ان صراع الاخوة الشرس على السلطة، انفجر لتتصدر واجهته جهتان ذات منحى ديني.
(14)
اذا كنا قد اختبرنا كل كوارث ومساوئ ما قبل 2014 ، فليس من السهل تلمس معالم ما بعد ذلك التاريخ، مع بقاء سيطرة "داعش" على بعض الاراضي العراقية، وحالة الاضطراب العامة التي تعيشها البلاد. ومع ذلك، يبدو لي ان البلاد مازالت تراوح عند فوهة الجحيم والاحقاد، احاديث الانفصال وتشرذم البلاد شغّالة، وصار الصراع، ليس بين الجماعات المختلفة، بل داخل الجماعة الواحدة، فأي مصير ينتظر البلاد؟
(15)
غالبا ما يرتبط مصير الامم برجالها وزعاماتها السياسية، فكيف سيكون مصير بلاد يقرر مصيرها الآخرون؟!
(16)
منذ عام 2014، تغيرت اهداف ومصالح القوى المتصارعة في العراق ألف مرة، فحوّروا وعدّلوا في خططهم وتكتيكاتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، فيما الجماعات السياسية العراقية لم تغيّر شيئا، وظلت تتبنى ذات النهج الملتوي، نهج التخاصم الفج، والخلافات التافهة، والفساد المريض، ولم تحرك الاهانات المتواصلة التي وجهها الشعب مرارا للجماعة السياسية ومنها اقتحام مبنى البرلمان، قيد أنملة في سلوك الجماعة السياسية المتكلسة.
(17)
برحيل "داعش" المتوقع، سيكون قد تكدّست على طاولة بلاوينا الكثيرة، ألف بلية أخرى، وسنتوقع حينذاك، ان تقوم نفس الجماعة السياسية التي حطمت البلاد بحلها، فهل ذلك ممكن؟!