أنس العبدة
* رئيس الائتلاف الوطني السوري
TT

مجزرة الكيماوي 2013.. تذكير بفشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين

في مثل هذا اليوم، وقبل ثلاث سنوات شن نظام الأسد هجومًا بالصواريخ المحملة بغاز الأعصاب «السارين» الخانق القاتل، مستهدفًا مناطق سكنية مكتظة بالمدنيين في الغوطة بدمشق. وكما انتشرت صورة الفتى عمران، الذي تعرض منزله في حلب لقصف روسي همجي، خلال الأيام الماضية، وكما انتشرت من قبله أيضًا صور الفتى إيلان الذي حملته الأمواج وأسجته على شاطئ البحر، سرعان ما انتشرت صور الأجساد التي غادرتها أرواحها على مضض، صور لا تنتهي لأطفال ونساء ورجال وشيوخ ممددين إلى جوار بعضهم البعض، في مشهد لا يكاد العقل قادرًا على إدراكه، تحسبهم رقودًا وهم أموات، وفي غياب الجراح وألوان الموت الدامية التي تطغى على سائر صور الموت، يرجو المشاهد أن يلمح حركة هنا أو هناك لكن عبثًا، فهو الهجوم الكيماوي الأشد شناعة وبشاعة في القرن الحالي، ورغم ذلك فلا يزال المجرم طليقًا، ولا تزال هذه الجريمة تتكرر بأشكال مختلفة على يد المجرم ذاته.
تمثل مجزرة السارين عام 2013، والجديرة بأن يطلق عليها اسم مجزرة القرن، واحدًا من الأمثلة الكثيرة لمجازر وقعت في سوريا خلال السنوات الخمس المنصرمة، لتذكر كل واحدة منها بفشل المجتمع الدولي المشين في ممارسة واجباته في حفظ الأمن والسلم الدوليين وحماية المدنيين. إن الفشل في محاسبة المجرم في جريمة غاز السارين بالذات، يقدم إشارة ذات دلالة بليغة مفادها «أن استخدام الأسلحة الكيميائية خيار قابل للتطبيق ويمكن أن يمر دون عقاب»، اللهم إلا إن اعتبرنا أن تسليم سلاح الجريمة أو الوعد بتسليمه يعتبر عقابًا.
بعد قيام نظام الأسد بارتكاب جريمة العصر باستخدام سلاح السارين الكيماوي، وبعد فشل المجتمع الدولي في فرض «خط حمر» فعلي وجدي، تحول الخط الأحمر إلى ضوء أخضر للنظام من أجل الاستمرار في استخدام الأسلحة الكيماوية، كما أن المحاولات الدولية لنزع ترسانة نظام الأسد من الأسلحة الكيماوية لم تكن شاملة وكافية حتى الآن. ففي مختلف أنحاء سوريا، يستمر النظام في إلقاء البراميل المحملة بغاز الكلور السام. وابتداء من عام 2013 شن النظام أكثر من مائة هجمة بالأسلحة الكيميائية، بما فيها هجمات أفادت تقارير بأنها نفذت باستخدام غاز السارين الخانق نفسه. ولا حاجة للبحث كثيرًا، فقد عمدت قوات النظام الأسبوع الماضي بالذات، إلى إلقاء براميل متفجرة مملوءة بغاز الكلور السام على مدينة حلب مخلفة عشرات من المصابين.
يعمد نظام الأسد إلى استخدام القصف الجوي والمدفعي والبراميل المتفجرة والسيارات المفخخة، لكنه لم يتوقف عن استخدام الأسلحة الكيماوية بقصد قتل المدنيين وإرهابهم. لقد وثّقت لجنة التحقيق الأممية ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، عشرات التقارير حول استخدام الأسلحة الكيماوية في مناطق مدنية، وكانت أدلة غير قابلة للدحض تؤكد مسؤولية نظام الأسد عنها. لقد طالبنا في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بإجراء تحقيق عاجل بالهجمات الأخيرة في إدلب وحلب، تلك التي وقعت في الأول والحادي عشر من شهر أغسطس (آب) الحالي على التوالي. في الإطار ذاته، فإن المجتمع الدولي وخاصة الدول المساندة للشعب السوري مطالبة بممارسة دور فعال في ضمان محاسبة المجرمين وملاحقتهم كأفراد وجماعات تجاه مسؤوليتهم عن استخدام الأسلحة الكيماوية، وضمان ذلك من خلال تأسيس محكمة خاصة بجرائم الحرب المرتكبة في سوريا.
إن توثيق الجرائم التي ارتكبت على مدى 6 سنوات تقريبًا، بما فيها استخدام نظام الأسد لسلاح الجو وتنفيذه لآلاف الغارات بالصواريخ والأسلحة المحرمة دوليًا، مستهدفًا الشعب السوري، ومستفيدًا من دعم إيراني وروسي. إن توثيق تلك الجرائم يمثل خطوة لا بديل عنها من أجل عملية المحاسبة المنتظرة والقادمة دون شك. ولا فرق، بالنسبة للمدنيين السوريين، إن استهدفهم نظام الأسد بشكل عشوائي أو منظم، وسواء استهدفت غاراته المدارس أو المشافي أو البيوت أو المساجد، وسواء استخدمت البراميل المتفجرة المحشوة بالـTNT أو بغاز السارين الخانق أو بغاز الكلور السام، فالأمر سيان. إنه الموت نفسه وهو المجرم نفسه.
لا بديل اليوم أمام المجتمع الدولي عن تبني استراتيجية متكاملة لحماية المدنيين من جميع وسائل القتل التي يمارسها نظام الأسد بحقهم، استراتيجية تبدأ بفرض حظر يمنع القصف في كامل أنحاء سوريا، ويتم ضبطه باستخدام القوة في إطار قرار من الأمم المتحدة يجيز إسقاط أي طائرة يتم التحقق من أنها تستهدف المدنيين أو تحمل على متنها أسلحة كيماوية لقتلهم. ويتوفر حاليًا قرار من مجلس الأمن بخصوص حماية المدنيين من القصف بأسلحة كيماوية، ومن واجب أعضاء المجلس الآن أن يتحركوا لتحمل مسؤولياتهم بهذا الصدد.
لن يقتصر دور مثل هذا الحظر على إنقاذ حياة المدنيين، بل سيساهم أيضًا في توجيه رسالة واضحة يفهمها نظام الأسد، مفادها أن استهداف المدنيين واستخدام الأسلحة الكيماوية ضدهم، سيواجه ابتداء من اليوم بمواقف تتعدى بيانات وتصريحات الشجب والاستنكار، وهي خطوة جوهرية على طريق إحياء العملية السياسية التي لم يتعامل معها نظام الأسد وداعموه بأي قدر من الالتزام والجدية، مما يفرض على أطراف المجتمع الدولي مسؤولية مواجهة إصرار النظام على نهجه المستمر في البحث عن حل عسكري في سوريا.
يستمر فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين بتوفير مزيد من الحصانة وفتح مزيد من الأبواب أمام نظام الأسد للإفلات من العقوبة، وتوجيه الصراع على الأرض السورية نحو مزيد من الاحتمالات المجهولة. ورغم صمود السوريين الأسطوري فإنهم بحاجة أيضًا لبصيص من الأمل يبعث في نفوسهم الطمأنينة بأن المجرمين الذين قتلوا مئات الآلاف من إخوتهم وارتكبوا أفظع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ودمروا حاضر سوريا وماضيها، سيحاسبون على ما اقترفته أيديهم.
البداية يجب أن تكون من خلال حماية المدنيين من القصف والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، وما لم يتم ذلك، فإن احتمالات الوصول إلى حل سياسي يضمن قيام نظام مدني ديمقراطي عادل في سوريا ستتضاءل أكثر. البداية اليوم متأخرة جدًا بالنسبة لـ1466 شهيدًا قضوا في مجزرة العصر فجر يوم 21 أغسطس 2013، لكنها ستكون بمثابة طوق النجاة بالنسبة للآلاف وربما للملايين من السوريين الذين ينتظرون مصيرًا مشابهًا ما لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته من أجل حمايتهم.
* رئيس الائتلاف الوطني السوري