سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

شرح الديمقراطية

إذا كنت في هذا الجانب من العالم، وهو جانب غير جغرافي بالتأكيد، لأن الجغرافيا كما تُلاحظ، قد أصبحت شيئًا من التاريخ. وأما التاريخ نفسه، فقد أصبح شيئًا من لا شيء، كعادته عندما يُصاب بلوثة من الجنون، أو أكثر. إذن، إذا كنت جزءًا من هذا العالم، والمقصود به هنا عالَمُك وعالمي، والَّلهم رفقًا بالجميع، فإنك قد اعتدتَ، أو عوَّدت نفسك على أشياء لا يمكن أن يفهمها، أو أن يعتاد عليها سكان الأجزاء الأخرى من العالم.
مثلاً، فقط مثلاً، خذ الديمقراطية كما يفهمها علي عبد الله صالح. فقد هدد بالقتل كل من يغيب عن جلسة البرلمان. من ناحية دعوة إلى ممارسة ديمقراطية، وهي في الأجزاء الأخرى من العالم - أي الديمقراطية - تقوم على الخيار، أما عند علي بك، فلها مفهوم واحد هو الانصياع أو القتل. طبعًا، أنت لم تتعجّب، أو تستغرب. فقد رأيته من قبل يُعلن عزوفه عن الترشح إلى الرئاسة. ثم رأيته يعلن عزوفه عن العزوف عن العزوف. ثم رأيته يهاجم مناطق الحوثيين بالدبابات والطائرات، وبعدها، رأيته يتقدمهم زحفًا على صنعاء وصولاً إلى عدن. وكان ينوي استكمال الطريق إلى ديار أجداده في الأندلس.
الغرابة في الأمر أن تهديد النواب بالقتل مرّ، في هذا الجزء من العالم، كأنه نبأ عن تدشين مستشفى جديد، أو العثور على نهر في مأرب. فقط في هذا الجزء الذي يتمدد الآن مساحة في كل الاتجاهات، يمكن أن تقرأ في عنوان بسيط من عناوين الديمقراطية، أن تركيا سوف تُفرِج عن 38000 سجين غير سياسي لكي تؤمن الإقامة لـ38000 سجين جديد. أما كيف عرفت الحكومة سلفًا أن عدد المحكومين سيكون بعدد المجرمين العاديين، فهذا من اختصاص الديمقراطيات. وربما لاحظت جنابك أن السلطان الذي أسقط بسبابته قاذفة روسية دون تردد، أو مراجعة، حمل نفسه وذهب إلى الكرملين، حيث أصرّ فخامة الرئيس بوتين على ألا يتقدم خطوة واحدة خارج مكتبه، لكي يُرحب بالضيف المفاجئ. انتهى؟.. لا لم يَنتهِ. فالإمبراطور العالمي الجديد، الذي كان حتى الأمس في حلف عضوي مع المرشد الأكبر في مقاتلة التكفيريين حول الأرض، أدخل السلطان في الحلف نفسه بعدما كان يتهمه أنه هو وأصهرته يبيعون النفط إلى «داعش».
وفي هذا الجزء من العالم، عاد صاحب الفخامة رجب طيب إردوغان، للبحث في أمور التحالف السابق مع النظام السوري على جميع المستويات؛ العائلية، والشخصية، والعسكرية. وللأمم المتحدة ودوائرها الخاصة أن تحصي ما تشاء من أعداد الموتى والقتلى والمشردين ما بين الأراضي السورية والجوار التركي. وأرجو أن تكون قد قرأت ما كُتب في أحرف صغيرة جدًا، تحت صورة طائرة «التوبوليف»، التي أقلعت من إيران لضرب سوريا. إذ يقول كلام الصورة إنها صادرة عن وزارة الدفاع الروسية، وأما موزعها على صحافة العالم فهو وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية. وإذا كنت تبحث معي عن السيد أوباما، فهو حيث تتوقع أن يكون، منكبًا على فصل جديد من مذكرات لا طعم لها، ولا لون، ولا رائحة، ولا حياة.