تحرير منبج بالكامل يقترب.. وحصار 130 مقاتلاً لـ«داعش»

«قوات سوريا الديمقراطية» تطارد آخر فلول التنظيم داخل حارتين

مقاتلان من «قوات سوريا الديمقراطية» في مدينة منبج بريف حلب قرب مبانٍ مدمرة تتصاعد منها الأدخنة بفعل المعارك مع تنظيم داعش (رويترز)
مقاتلان من «قوات سوريا الديمقراطية» في مدينة منبج بريف حلب قرب مبانٍ مدمرة تتصاعد منها الأدخنة بفعل المعارك مع تنظيم داعش (رويترز)
TT

تحرير منبج بالكامل يقترب.. وحصار 130 مقاتلاً لـ«داعش»

مقاتلان من «قوات سوريا الديمقراطية» في مدينة منبج بريف حلب قرب مبانٍ مدمرة تتصاعد منها الأدخنة بفعل المعارك مع تنظيم داعش (رويترز)
مقاتلان من «قوات سوريا الديمقراطية» في مدينة منبج بريف حلب قرب مبانٍ مدمرة تتصاعد منها الأدخنة بفعل المعارك مع تنظيم داعش (رويترز)

يطارد مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية آخر فلول تنظيم داعش داخل مدينة منبج بريف حلب في شمال سوريا، حيث لا يزال عشرات مقاتليه في جيب في وسط المدينة، متوقعين الانتهاء من «تحرير المدينة بالكامل» خلال ساعات.
وعلى وجوه المقاتلين المدججين بأسلحتهم والمنتشرين في شوارع المدينة، تبدو علامات الفرح والفخر واضحة بعد سيطرتهم على منبج بعد شهرين طويلين من المعارك الضارية، وهم ينتظرون بفارغ الصبر موعد الإعلان رسميًا عن السيطرة الكاملة على المدينة التي كانت تعد واحدة من أبرز معاقل «داعش» في محافظة حلب.
يقول المقاتل إبراهيم الحسين، وهو يلف عنقه بحزام من الرصاص لمراسلي وكالة الصحافة الفرنسية، اللذين كانا أول فريق إعلامي دخل المدينة بعد التقدم الذي أحرزته قوات سوريا الديمقراطية في نهاية الأسبوع: «لم تبق إلا حارة أو اثنتين تحت سيطرة (داعش)»، مضيفًا بثقة: «(داعش) انتهى وستكون المدينة محررة خلال الساعات المقبلة».
ويقول مقاتل آخر قوي البنية يعرف عن نفسه باسم أبو عمار، بفخر: «نحن قريبون من المربع الأمني، 75 مترًا ونقتحمه».
وأظهرت مقاطع فيديو لمصور (وكالة الصحافة الفرنسية)، مباني معظمها من طبقتين شبه مدمرة جراء القصف، ومحالاً تجارية فارغة تشهد على حدة المعارك الضارية في المدينة. كما يجول مقاتلون في الشوارع وينتشرون بشكل خاص في محيط المربع الأمني.
ويوضح فياض الغانم، قائد «لواء صقور الرقة» المنضوي في مجلس منبج العسكري، أحد مكونات قوات سوريا الديمقراطية، للوكالة، خلال جلوسه في استراحة مع مقاتليه، أن «الاشتباكات تتركز حاليًا داخل المربع الأمني (الذي كان يستخدمه تنظيم داعش في وسط المدينة)، إذ بقي في يد (داعش) اثنان إلى ثلاثة في المائة من مساحة المدينة».
وبحسب أحد المقاتلين، يوجد «قرابة 130 عنصرًا في وسط المدينة محاصرون من كل الجهات».
ويقول مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية لمراسل وكالة الصحافة الفرنسية: «زرع التنظيم الكثير من الألغام في المدينة ليعيق تقدمنا، وعليكم أن تتبعونا لكي لا تنفجر فيكم الألغام».
بدأت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركية، في 31 مايو (أيار) وبغطاء جوي من التحالف، هجومًا للسيطرة على منبج الاستراتيجية الواقعة على خط إمداد رئيسي للتنظيم المتطرف بين محافظة الرقة معقله في سوريا، والحدود التركية.
وتحاصر «سوريا الديمقراطية» الجيب الأخير الذي يتحصن فيه مقاتلو «داعش» من كل الجهات، لكنها تتريث في القيام بعملية اقتحام سريعة لوجود مدنيين داخله يستخدمهم التنظيم كدروع بشرية.
ويقول الغانم الذي يرتدي ثيابًا عسكرية وبحوزته جهاز اتصال لاسلكي، إن الاقتحام «تأخر لأننا نحاول إخراج المدنيين حفاظًا على سلامتهم.. ولئلا نلحق الأضرار بهم»، متحدثًا عن «لجوء تنظيم داعش إلى حرق بيوتهم، وزرع المفخخات لإعاقة تقدمنا».
وعلى الرغم من دوي الرصاص وقذائف الهاون التي تطلقها الفصائل العربية والكردية على مواقع المتطرفين، يحاول عشرات المدنيين الفرار من مناطق الاشتباكات داخل المربع الأمني، مكتفين بحمل حقائب أو أكياس صغيرة.
على تخوم المنطقة المحاصرة، ينتظر محمد بنشي، وهو في الأربعينات من عمره، مع أفراد من عائلته تعليمات مقاتلي «سوريا الديمقراطية» للوصول إلى مكان آمن بعد تمكنهم من الخروج من المربع الأمني.
ويقول بنشي لوكالة الصحافة الفرنسية: «كنا موجودين في شارع الكواكب، في شقة مع 15 شخصًا من عائلتي، كنا محاصرين بسبب الاشتباكات وكان الوضع صعبًا».
وأوضح أنه تمكن من الخروج وعائلته بعد وصول المقاتلين إليهم ومساعدتهم على الخروج»، لافتا إلى أن تنظيم داعش «كان يمنعنا بالقوة من الخروج ويقول لنا: لا تخرجوا إلا عندما نعطيكم الأوامر».
وأضاف: «خرج عدد من الأشخاص خفية وتمكنوا من الهرب»، مشيرًا في الوقت ذاته إلى «مقتل سيدة قنصًا لدى محاولتها الخروج من منزلها».
وعلى مقربة من بنشي وعائلته، ينتظر شاب يرتدي قميصًا أبيض ويمسك بيد شقيقه المعوق. ويقول من دون ذكر اسمه: «ما ذنب هذا الطفل أن يرى كل هذه الاشتباكات ويتم منعه من قبل (داعش) من الخروج؟»، قبل أن يضيف: «الحمد لله أننا خرجنا من المدينة بسلام بفضل قوات سوريا الديمقراطية».
وواجهت قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية، عمودها الفقري بعد اقتحامها المدينة منذ يونيو (حزيران) مقاومة عنيفة من مقاتلي التنظيم الذين لجأوا إلى التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة والقناصة، وزرع الألغام لإعاقة تقدمهم. وعبر جهاز اتصال لاسلكي، ينادي عنصر من «سوريا الديمقراطية» رفاقه طالبًا «سيارة لنخرج أربعة من رفاقنا تم قنصهم من قبل (داعش) في المبنى المجاور»، مضيفًا: «لا تتأخروا نحن ننتظركم».
وتشهد أبنية المدينة المدمرة بمعظمها بشكل كامل وعبوات الرصاص الفارغة في الشوارع، على ضراوة المعارك بين الطرفين، والتي واكبتها ضربات من التحالف الدولي مساندة لتقدم قوات سوريا الديمقراطية.
وفي محاولة لتجنب ضربات طائرات التحالف، يقدم مقاتلو تنظيم داعش على حرق الإطارات المطاطية لتمويه تحركاتهم. وعاين مراسل وكالة الصحافة الفرنسية خلال زيارته منبج دخانًا أسود كثيفًا يغطي سماء المدينة.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، قتل منذ بدء الهجوم على منبج في 31 مايو حتى اليوم، 973 مقاتلاً على الأقل من تنظيم داعش، و203 جراء ضربات التحالف. كما قتل 433 مدنيًا بينهم 104 أطفال.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».