كشفت تصريحات مسؤولين ماليين بريطانيين شاركوا في مشاورات مع وزارة المالية ووزارة الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، أن الحكومة تدرس للمرة الأولى احتمال الخروج من السوق الأوروبية الموحدة.
وعقد وزير المالية فيليب هاموند سلسلة من المناقشات مع عدد من جماعات الضغط البارزة المعنية بالنشاط التجاري والمالي، تشمل «اتحاد الصناعات البريطانية» (سي بي آي)، و«اتحاد المصرفيين البريطانيين» (بي بي إيه)، و«ذي سيتي أوف لندن كوربوريشن»، وذلك بهدف تحديد قيمة السوق المشتركة، وما إذا كانت «حقوق عبور الحدود» تستحق تقديم تنازلات من الجانب البريطاني لمؤسسات بروكسل.
وتسمح حقوق عبور الحدود، المعروفة إعلاميًا بالـ«باسبورتينغ»، للمصارف التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها إقامة فروع لها في أي جزء من «المنطقة الاقتصادية الأوروبية»، والتي تضم الاتحاد الأوروبي، إلى جانب النرويج وآيسلندا وليختنشتاين، دون الحاجة للحصول على تصاريح منفصلة داخل كل دولة.
وأفادت تسريبات عن هذه الاجتماعات المغلقة، نقلتها صحيفة «صاندي تيليغراف» أمس، بأن بعض كبار الشخصيات المعنية مستعدة للتنازل عن مثل هذه الحقوق، رغم الدعوات التي تعالت مبكرًا للبقاء داخل السوق الأوروبية الموحدة من قبل القطاعين المالي والتجاري.
من جهته، قال رئيس قسم السياسات في «ذي سيتي أوف لندن كوربوريشن»، والذي شارك بالاجتماع الشهر الماضي، أن مسألة عبور الحدود تحمل أهمية محورية لوزارة المالية. وأوضح مارك بوليات أنه «من غير المجدي التمسك بقائمة من الأمنيات غير الواقعية - ليس هذا ما تهدف إليه الحكومة، وإنما ما تود معرفته هو: هل يعني الخروج من الاتحاد الأوروبي خسارة 5 في المائة من إجمالي الوظائف بمجال الاستثمار المصرفي، أم 30 في المائة منها»، مؤكّدا أن النقاش ينبغي أن يركز على حجم التداعيات على العائدات الضريبية.
وقد أبدى بوليات شكوكًا حول قدرة المملكة المتحدة على ضمان اتفاق يوفر لها وضعًا شبيهًا بوضع النرويج داخل السوق الموحدة. وأضاف أن قبول حرية الحركة بالنسبة للأفراد ودفع مبالغ ضخمة لبروكسل، مع الإذعان للقواعد التي تمليها، «لن يكون مقبولاً سياسيًا».
من ناحيته، ترغب مؤسسة «بي بي إيه» للعلاقات المصرفية في رحيل المملكة المتحدة عن السوق الموحدة، مع احتفاظها بإمكانية دخول إلى الأسواق الأوروبية من دون عائق. ومن شأن هذه التسوية منح السلطات البريطانية السيطرة على القواعد التنظيمية التي تؤطر عمل البنوك، مع منح العملاء المنتمين إلى الاتحاد الأوروبي القدرة على الوصول إلى قطاع الخدمات المالية البريطاني. وأوضح الرئيس التنفيذي لـ«بي بي إيه»، أنتوني براون، بهذا الصدد: «لا ندعو إلى عضوية في السوق الموحدة - وإنما ما نرغبه هو إمكانية دخول مزدوجة الاتجاه مع أسواق الاتحاد الأوروبي. أن ما يطلق عليه خيار النرويج من شأنه توفير أعلى مستوى من الاستمرارية للمصارف وعملائها، لأن سيسمح باستمرار نظام عبور الحدود الراهن».
أما «اتحاد شركات التأمين البريطانية»، فيرغب في الحفاظ على إمكانية الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، لكنه لم يحسم بعد موقفه من حقوق عبور الحدود. ومن الواضح أن ثمة صدام أصبح حتميًا بين المسؤولين الحريصين على الخروج من السوق الموحدة، والقيادات الأخرى بقطاع الخدمات المالية البريطاني. وكانت مصارف كبرى قد حذرت من التكلفة المحتملة التي سيتكبدها القطاع المالي بالمملكة المتحدة حال فقدان المملكة مثل هذه الحقوق. وقد أعلن مصرف «باركليز» عزمه إقرار «ترتيبات بديلة» في دول أخرى بالاتحاد الأوروبي، مع ضغط كارولين فيربرين، المديرة العمومية لـ«سي بي آي» للبقاء داخل السوق الموحدة.
ويرغب المسؤولون في صياغة خطة عمل قبل بدء تفعيل المادة 50 وانطلاق مفاوضات الانفصال فعليًا.
يأتي ذلك بعد أن أظهر مسح نشر الجمعة الماضي أن سوق العمل في بريطانيا دخلت في «سقوط حر» بعد التصويت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مع انخفاض عدد الوظائف الدائمة التي أعلنت عنها شركات التوظيف الشهر الماضي بأسرع وتيرة منذ مايو (أيار) 2009.
وأشار التقرير الشهري لاتحاد شركات التشغيل والتوظيف «آر أي سي» إلى أن الرواتب المبدئية للوظائف الدائمة ارتفعت في يوليو (تموز) بأبطأ وتيرة في أكثر من ثلاث سنوات. وبشكل عام، فإن المسح يضاف إلى أدلة على أن ثقة ونشاط الشركات تباطأ بشدة بعد الاستفتاء الذي أجرى في 23 يونيو (حزيران).
بهذا الصدد، قال كيفن غرين، الرئيس التنفيذي للاتحاد: «سوق الوظائف في المملكة المتحدة عانت سقوطًا حرًا مفاجئًا في يوليو، مع هبوط الوظائف الدائمة إلى مستويات لم نشهدها منذ الركود في 2009»، مضيفًا أن «الاضطراب الاقتصادي في أعقاب التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي هو بلا شك السبب الأساسي».
إلى ذلك، خفض بنك إنجلترا الخميس أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2009، وقال إنه سيشتري سندات حكومية بقيمة 60 مليار جنيه إسترليني لتخفيف الضرر الناجم عن تصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا تدرس «نموذج النرويج» لعلاقتها مع أوروبا
هاموند عقد سلسلة مشاورات لتقييم فوائد وأضرار البقاء في «السوق المشتركة»
بريطانيا تدرس «نموذج النرويج» لعلاقتها مع أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة