تقول النكتة الشائعة الآن في ليبيا إن وجود «زيدان»، (ليس زيدا واحدا)، يتطلب بالضرورة وجود «أبو سهمين» (ليس سهما واحدا) في إشارة إلى الدكتور علي زيدان رئيس الحكومة الانتقالية، ونوري على أبو سهمين، وهو الرجل الذي بات نحو ستة ملايين مواطن ليبي يحفظون اسمه ويتابعون أداءه وتصريحاته ليس فقط بحكم كونه رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) ولكن أيضا باعتباره الرئيس الفعلي للبلاد والقائد الأعلى لقواتها المسلحة. وينظر البعض إلى «أبو سهمين» باعتباره الرهان على إنقاذ ليبيا قائلين، إن مكتبه مزدحم بملفات عن الثوار ومشكلة الأمن.
لكن مقر المؤتمر الذي يعتبر أعلى سلطة دستورية في البلاد، تعرض للاقتحام نحو خمس مرات آخرها يوم أمس، الثلاثاء (الماضي)، ما عرض هيبة المؤتمر والدولة في ليبيا ككل إلى خطر كبير يوشك أن يداهم الجميع.
تخلو السيرة الذاتية الرسمية لأبو سهمين من أي إشارة إلى خلفية أو خبرة سياسية على الرغم من أنها تتضمن نقلات تشير إلى قدرة إدارية معتبرة، وهو أمر مثير للدهشة والجدل في آن واحد في ليبيا التي تمر بمرحلة انتقالية واستثنائية، وتشهد عمليات من الاغتيال والخطف كان آخرها خطف زيدان نفسه. والذي قال إنه منذ سماع نبأ اختطاف رئيس الوزراء وكل ما يشغله توفير الأمن والحماية له. ومع أن أبو سهمين لم يكن من الوجوه البارزة في المعارضة الليبية ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، كما لم يكن اسمه متداولا خلال الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في شهر فبراير (شباط) من عام 2011 وانتهت لاحقا في شهر أكتوبر (تشرين أول) من نفس العام بالإطاحة بنظام القذافي ومقتله، إلا أن أبو سهمين يمتلك خبرات تؤهله لإدارة المؤتمر الوطني الذي يعتبر أعلى هيئة دستورية في البلاد.
وقال بعد اختطاف زيدان: «طالما وصل الأمر إلى اختطاف رئيس الوزراء فاعتقدت جازما من البداية أن الفعل صدر عن جهة أو أفراد لا يقدرون حجم مثل هذا الفعل الذي يعتبر خارج نطاق الشرعية وسيادة القانون». ويقول البعض، إن أبو سهمين لديه خبرات قد تمكنه من وضع حلول للمشكلات المعقدة التي تمر بها ليبيا. تلك الخبرات اكتسبها أبو سهمين بحكم منصبه السابق كمقرر عام للمؤتمر وهو منصب يضعه داخل المطبخ السياسي والإداري في أرفع درجاته، كما أنه عمل عن قرب مع محمد المقريف المخضرم الذي آثر السلامة والعزلة وقرر طواعية الانسحاب من المشهد السياسي واستقال من منصبه كرئيس للمؤتمر استباقا لبدء تنفيذ قانون العزل السياسي الذي أقره المؤتمر ويقضي بمنع كل من تعامل مع نظام القذافي من تولي أي مناصب رسمية أو حكومية في الدولة الليبية.
بعد قيام الثورة الليبية فاز أبو سهمين في أول انتخابات تشريعية أجريت في البلاد في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، حيث أصبح عضوا عن مدينة زوارة التي تعتبر مسقط رأسه. يستيقظ أبو سهمين من نومه في الصباح الباكر كعادته، حيث أبلغ «الشرق الأوسط» في حوار سابق معه أنه لا يحصل سوى على أربع أو خمس ساعات فقط للراحة حتى من قبل منصبه الحالي. ولا يبدو الرجل مهووسا بالبروتوكولات الرئاسية المعتادة، فهو كما بدا بسيطا دمث الخلق يتحدث بعفوية وتلقائية قد تجلب له في بعض الأحيان المشكلات.
وفي تعليق له على الجهة التي اختطفت زيدان، قال، إنه «مهما كانت وجهة نظر هؤلاء الأفراد أو المجموعات فإن رئيس الوزراء أو الوزراء أو أي مسؤول يعين أو ينتخب لا بد من اتباع الإجراءات القانونية وليس لأحد أن يكون فوق القانون عندما يطلب بموجب القانون». ويعتقد البعض أن حصول أبو سهمين على المنصب سيضمن انتقالا سلسلا للسلطة في البلاد بالإضافة إلى أن آخرين يراهنون على حسن أدائه كرئيس للمؤتمر خلال الفترة الانتقالية التي قد تضطر البلاد إلى تمديدها في وقت لاحق من العام الحالي.
وقال جمعة عتيقة الذي تولى بصفة مؤقتة، في السابق، منصب رئيس المؤتمر الوطني بعد استقالة المقريف، إن «ما حدث يبين أن ليبيا تستطيع أن تبرهن للعالم أنها تتسم بالديمقراطية في خياراتها ولا تأخذ في الاعتبار أي عوامل إقليمية عند اتخاذ القرارات».
وقال إبراهيم الغرياني عضو المؤتمر الوطني لوكالة «رويترز»، إن «أبو سهمين له علاقات طيبة بكل الأطراف وقد يكون الشخص المناسب لقيادة المؤتمر الوطني في الوقت الحالي». وأصبح أبو سهمين وهو من بلدة زوارة الساحلية في غرب البلاد أول شخص من الأقلية الأمازيغية يتولى منصبا حكوميا رفيعا بعد عقود قمع خلالها القذافي الثقافة الأمازيغية بما في ذلك لغتها. أبو سهمين الذي سيشرف على الاستعدادات لتشكيل لجنة لوضع دستور ديمقراطي لليبيا التي تعاني من العنف المسلح منذ الإطاحة بالقذافي، من أبناء الأقلية الأمازيغية التي همشها نظام القذافي طيلة سنوات حكمه الـ42 تقريبا، علما بأنه حصل على 96 صوتا مقابل 80 صوتا لمنافسه الشريف الوافي في جولة إعادة بعد أن جرى التصويت في الجولة الأولى على تسعة مرشحين.
وعلى الرغم من أنه معروف في أوساط أعضاء المؤتمر الوطني فإنه حظي بدعم حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لكنه نفى لـ«الشرق الأوسط» أن يكون محسوبا على هذه الجماعة أو منتميا لها. تخرج أبو سهمين المولود في مدينة زوارة أقصى الغرب الليبي، في كلية الحقوق بجامعة بنغازي في شرق ليبيا، علما بأنه درس مطلع الثمانينات العلاقات الدولية ببريطانيا، ومن ثم اشتغل بمصنع «بوكماش للبتروكيماويات» بالعاصمة الليبية طرابلس، قبل أن يتفرغ منذ عام 2000 للعمل الخاص.
ينظر الأمازيغ إلى حصول أبو سهمين على منصبه الحالي الرفيع المستوى على أنه حدث تاريخي، فهو أول رئيس من أصول أمازيغية يصل إلى هذا المنصب في تحول لافت للانتباه في تاريخ أمازيغ ليبيا ومنطقة شمال أفريقيا ونقلة تاريخية لثورة 17 فبراير.
وتعليقا على فوز أبو سهمين قال موقع «تيفسا بريس» الأمازيغي الناطق باللغة العربية إنه بعد عقود من التهميش الذي عانى منه أمازيغ ليبيا وحرمانهم من ممارسة أبسط حقوقهم الثقافية واللغوية في عهد الديكتاتور الراحل معمر القذافي، ها هو نوري أبو سهمين يخرج بسهميه منتصرا مظفرا كالمارد العملاق ضاربا بعرض الحائط كل التوقعات.
لكن نفس الموقع لفت في المقابل إلى أن الكثير من الحقوقيين والنشطاء الأمازيغ لا يعقدون كثيرا آمالهم على رئيسهم الجديد المحسوب على تيار الإخوان السلفي، مشيرا إلى أن الكثير منهم يذهب إلى أنه مجرد دمية تحركها أيادي جماعة الإخوان ولن يستطيع تغيير المعادلة السياسية الأمازيغية المتشابكة بل ربما سيزيدها تعقيدا.
لكن تهمة الانتماء لجماعة الإخوان تزعج أبو سهمين الذي نفى لـ«الشرق الأوسط» انتماءه إلى هذه الجماعة أو كونه محسوبا عليها، لافتا إلى أنه لا يجد أي غضاضة في الاتفاق مع أي فصيل أو حزب سياسي على الثوابت التي تستهدف إعادة بناء الوطن وحفظ مستقبله وأمنه.
كما نفى هيمنة «الإخوان المسلمين» على الحياة السياسية الجديدة في البلاد، مؤكدا في المقابل أنه لا يستطيع أي حزب أن يدعي هيمنته منفردا على الوضع السياسي الراهن.
واستبعد أن يؤدي وجوده كشخص ينتمي للأقلية الأمازيغية في ليبيا إلى أمزغة الدولة الليبية، لكنه شدد على ضرورة التعامل مع اللغة الأمازيغية كمكون ثقافي للوطن.
ومع ذلك يقول موقع «وسان» الأمازيغي على شبكة الإنترنت القصة ليست قبلية أو جهوية أو عرقية أو فرحة زوارة أو الأمازيغ بتولي منصب.. القصة وما فيها هي الفرحة بدق أول المسامير في نعش العنصرية والتهميش الثقافي والسياسي تجاه الأمازيغ (التي قادها وكرسها الحكام على مر التاريخ وليس الشعب) وهي ليست فرحة بإنجاز حققه أمازيغي بقدر ما هي فرحة بإنجاز حققه الشعب الليبي.
ويمثل الأمازيغ نحو خمسة في المائة من سكان ليبيا الذين يقاربون ستة ملايين. وهكذا أصبح أبو سهمين رئيسا لنفس الدولة التي حرص فيها النظام السابق على عدم تعيين أي أمازيغي في منصب وزير في أي من حكوماته المتعاقبة.
بيد أن تصريحات الرجل الأخيرة لـ«الشرق الأوسط» قال فيها: إنني «مسلم.. إنني ليبي إنني أمازيغي.. إنني عربي.. ليبيا يجمعها الإسلام والوطن، وتجمعها الأصالة الأمازيغية والعربية». وخلفت هذه التصريحات ردود أفعال غاضبة في بعض أوساط الأمازيغ على اعتبار أنها تخلط بين العرقين في آن واحد. ومع ذلك فقد حاول أبو سهمين عبر تلك التصريحات أن يقدم رسالة للمجتمع الليبي بأنه لن ينظر إلى انتمائه لأقلية معينة بقدر حرصه على أن يكون رئيسا للجميع.
وفى كل الأحوال ليس الملف الأمازيغي هو الهم الوحيد لرئيس المؤتمر الوطني الليبي، بل ثمة تحديات كبيرة تواجه شاغل هذا المنصب لعل أهمها توفير الأمن والاستقرار في الدولة التي ما زالت تعانى وبعد عامين على سقوط القذافي من اضطرابات سياسية وعسكرية مستمرة.
ويؤكد أبو سهمين أنه ومنذ توليه رئاسة المؤتمر الوطني العام يهتم بإنشاء الهيئة التأسيسية للدستور كأولوية مطلقة، يتبعها مباشرة ملف العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والعمل على تحقيق الأمن والأمان للمواطن في ذات الوقت.
واعتبر أن الحوار والاتصال مع جميع الكتل السياسية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني الليبي والنخب الثقافية والثوار قائم منذ فترة بين المؤتمر وبين الجميع، وأنه شخصيا وبمجرد توليه مهام الرئاسة يقوم هو وأعضاء المؤتمر بالاتصال المكثف بهم للوصول إلى نتائج مرضية.
هذه التصريحات التي لا تخلو من لغة دبلوماسية اشتهر بها أبو سهمين تصطدم بواقع سياسي يراه البعض مريرا للغاية في دولة لم ينعكس بعد غناها بالنفط على الحياة الاقتصادية لغالبية سكانها، وهى معادلة غريبة أخرى.
ورث أبو سهمين من دون شك ملفات صعبة وربما قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، لكن الرجل يراهن على وعي الشعب الليبي بخطورة المرحلة «الاستثنائية» الراهنة. وقال عضو المؤتمر الوطني صلاح ميتو لوكالة أنباء «شينخوا» الصينية، عن التحديات التي ستواجه الرئيس الجديد للمؤتمر الوطني، إن «أبرزها هو الإسراع في الانتهاء من انتخاب لجنة صياغة الدستور الليبي الجديد، بجانب الضغط على الحكومة لدمج تشكيلات الثوار وجمع السلاح في المؤسسات الشرعية».
أبو سهمين.. الرهان على إنقاذ ليبيا
ملفات الثوار والأمن على مكتب رئيس البرلمان الليبي
أبو سهمين.. الرهان على إنقاذ ليبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة