نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

من يعلق الجرس؟

الخلاصة الأكثر جدية لقمة نواكشوط، هي تعميق فكرة أنه لا لزوم للقمة أصلاً، ليس بسبب عدم كثافة حضور الزعماء، ولا بسبب الزمان والمكان، فكل من يجلس وراء يافطة مكتوب عليها اسم بلده يكفي ويزيد.
وبالتفاتة إلى الماضي منذ نشوء فكرة القمة، وكان ذلك في الزمن الناصري، وجهت الفكرة رسائل واعدة للشعوب العربية أولاً وللعالم ثانيًا، بأن الأمة العربية دخلت الحياة السياسية من باب تجمع يحاكي تجمعات كثيرة ظهرت في ذلك الزمن، وقد التقط الفكرة الحالمون بوحدة عربية، أو المتاجرون بشعاراتها، كوعد بدخول هذا الشعار حيز التطبيق، إلا أن ما حدث فعلاً كان فشلاً ذريعًا في التقدم نحو الوحدة، بل إن الذي تكرس منذ ذلك الوقت هو المزيد من الانقلابات المدمرة، التي كان شعار الوحدة هو بلاغها الأول على الدوام.
وتفاقمت الصراعات العربية على نحو أبعد تمامًا فكرة الوحدة، فسقطت من أدبيات الأحزاب والتنظيمات والحكومات، إلا أن العرب دائمًا بحاجة إلى فكرة مركزية يتحدثون بها ويقومون ببعض الأنشطة لخدمتها، فنشأت على أنقاض فكرة الوحدة فكرة أكثر واقعية، ألا وهي: التضامن العربي.
وعلى مدى سنوات كانت هذه الفكرة (أو المصطلح) كافية لتبرير بعض المصالحات التي قام بها سعاة الخير لوقف النزف العربي - العربي، وإعادة قطار التضامن الوهمي إلى سكته.
كان لفكرة التضامن العربي وشعاره بعض المزايا الثانوية، وقد استفادت منها القوى التي كانت متورطة في حروب داخلية أو إقليمية، وفي الحالة اللبنانية - الفلسطينية.. إسرائيلية.
إلا أن الوقائع التي كانت تنجم عن هذه المزايا الجزئية، برهنت على أن المعالجات العربية للقضايا العربية، كانت سطحية وهشة، أما الحسم الجوهري فكان بعيدًا عن العرب المختلفين أو المتضامنين.
غير أن الظاهرة المحيرة في الواقع العربي أن الفشل يبقى ويتمادى، وأن المتغيرات تتلاحق بوتيرة جنونية عجز الخيال عن تصورها، بينما تظل الإطارات العربية المفترض أن تعالجها جامدة، كما لو أن الزمن توقف عند لحظة إنشائها، ومع الزمن صارت المؤسسة الأعلى في عالمنا العربي، وهي القمة، عبئًا معنويًا ثقيلاً ضرره أكثر من نفعه، فإذا كانت رسالة القمة الأولى موجهة للشعوب العربية كي لا تيأس، فإن كل قمة تتم تضع المواطن العربي في حالة مقارنة بين حاجات الأمة وتطلعاتها وقدرة القمم على إنجازها، ومقارنة كهذه تفضي حتمًا إلى مزيد من اليأس والإحباط.
وإذا كانت رسالة القمة موجهة إلى العالم كإعلان عن وجود تجمع قومي ينبغي أن يُحسب له حساب، فالعالم يعرف عنا أكثر مما نعرف نحن، ويعرف أن رسائل الدعاية الساذجة لا تغطي بل تظهر الحقائق بصورة أوضح، فما الجدوى إذن من قمة تشيع الإحباط عند أهلها ولا تستقطب احترامًا عند غيرهم؟!
بعد قمة نواكشوط التي نُسيت ليلة اختتامها، فإننا كعرب بأمسّ الحاجة إلى من يعلق الجرس ليعلن باسمه وباسم بلده بأنه لا لزوم للقمة، وإذا كان العرب بحاجة إلى توجيه رسائل فعالة، فعلى مفكريهم وخبرائهم وسياسييهم واقتصادييهم ومثقفيهم أن يبحثوا عن وسيلة أنجع لتحقيق أهدافهم وجعل رسائلهم قابلة للوصول.