فرنسا: فشل إحباط الاعتداء على الكنيسة يعيد الجدل حول إجراءات مكافحة الإرهاب

كرميش هاجم كنيسة مدينته رغم أن الأجهزة الأمنية كانت تعرفه

عسكريان فرنسيان يؤمّنان مهرجانًا في مدينة بايون جنوب غربي فرنسا أمس (أ.ف.ب)
عسكريان فرنسيان يؤمّنان مهرجانًا في مدينة بايون جنوب غربي فرنسا أمس (أ.ف.ب)
TT

فرنسا: فشل إحباط الاعتداء على الكنيسة يعيد الجدل حول إجراءات مكافحة الإرهاب

عسكريان فرنسيان يؤمّنان مهرجانًا في مدينة بايون جنوب غربي فرنسا أمس (أ.ف.ب)
عسكريان فرنسيان يؤمّنان مهرجانًا في مدينة بايون جنوب غربي فرنسا أمس (أ.ف.ب)

على بعد كيلومترين فقط كان يقيم عادل كرميش، أحد الإرهابيين اللذين احتجزا، صباح الثلاثاء، رهائن في كنيسة مدينة سان أتيان دو روفريه القريبة من مدينة روان، شمالي فرنسا، وقتلا كاهنها جاك هامل وأصابا شخصا آخر بجروح خطيرة، مثيران زوبعة بارتكابهما جريمة في مكان ديني تابع للكنيسة الكاثوليكية.
ولم يعرف عن هذه المدينة الهادئة أنها موئل للإرهابيين، بل يتعايش سكانها بكل سلام، حتى إن مسجد المدينة بني على أرض قدّمتها الكنيسة للجالية المسلمة المقيمة فيها.
وحتى بعد ظهر أمس، لم تكن الأجهزة الأمنية ولا المدعي العام المتخصص في شؤون الإرهاب فرنسوا لامينس قد كشفوا عن هوية الإرهابي الثاني الذي شارك كرميش في عمليته الشنيعة التي قتلا في نهايتها. وبعد أقل من 48 ساعة على وقوعها، ما زالت الكثير من الأسئلة دون إجابات فيما الجدل السياسي يتصاعد بين معارضة يمينية كلاسيكية ويمينية متطرفة تتهم الحكومة بالتقصير والعجز عن مواجهة الخطر الإرهابي وسلطة لم تعد تعرف ما هي الإجراءات الإضافية التي يمكن إقرارها مع المحافظة على دولة القانون.
وكما في مجزرة مدينة نيس الساحلية ليل الرابع عشر من الشهر الحالي، حيث نجح الإرهابي الداعشي محمد لحويج بوهلال الوصول من دون صعوبات بشاحنة التبريد المستأجرة إلى المنطقة المخصصة للمتنزهين على كورنيش المدينة ليقوم بعملية دهس لم تشهد فرنسا لها مثيلا في السابق، فإن خللا أمنيا واضحا مكن عادل كرميش وشريكه في الجريمة من الوصول إلى الكنيسة وذبح كاهنها واستثارة مشاعر المواطنين إلى أي ديانة انتموا في محاولة واضحة.
كما أكد كبار المسؤولين على تجنب إثارة الشعور الديني وتوجيه أصابع الاتهام للإسلام والمسلمين وربما التسبب في «حرب أديان» فضلا عن استقواء العنصرية والشعور المعادي للعرب والمسلمين.
إزاء هذا التهديد الخطير الذي يحدق بالسلم الأهلي وبالتعايش بين مختلف مكونات المجتمع الفرنسي، سارع الرئيس فرنسوا هولاند إلى عقد اجتماع صباح أمس في قصر الإليزيه لمؤتمر ممثلي الأديان في فرنسا من أجل التأكيد على وحدة الصف في مواجهة الإرهاب ولنزع أي فتيل قد يكون متفجرا. وضم الاجتماع ممثلين عن الكاثوليك والبروتستانت والمسلمين واليهود والبوذيين والأرثوذكس. وتعد فرنسا «ابنة الكنيسة الكاثوليكية البكر»، فيما تحتضن أكبر جالية مسلمة في أوروبا، يتراوح حجمها بين خمسة وستة ملايين شخص، وأكبر جالية يهودية (ما يزيد على 500 ألف شخص).
وبالنظر لخطورة العملية الإرهابية إلى ضربت الكنيسة الكاثوليكية، فقد طالب المجتمعون، بعد التأكيد على ضرورة المحافظة على الوحدة الوطنية والوقوف بوجه المخططات الإرهابية وعدم الانجرار وراء ما يسعى إليه «داعش» من «المواجهة بين المواطنين والأديان» وفق ما نقل عن الرئيس الفرنسي، بتوفير مزيد من الحماية للمؤسسات والأماكن الدينية. لكن المشكلة أن السلطات الأمنية، رغم خطة التأهب الأمني التي هي في أعلى درجاتها وتمديد العمل بحالة الطوارئ تبدو عاجزة عن تأمين 45 ألف كنيسة كاثوليكية وألف مسجد وقاعة صلاة (من أصل 2500)، و750 مدرسة ومحفل يهودي ومئات المحافل البروتستانتية. وتقوم الشرطة والدرك بتوفير الحراسة لـ12 ألف موقع حساس في البلاد.
وعند كل عملية إرهابية يدعي القائمون بها أنم فعلوها باسم الإسلام، تتجه الأنظار نحو ممثلي الديانة الإسلامية في فرنسا الذين سارعوا جميعهم إلى إدانة ما حصل وإلى التحذير من تبعاته على المسلمين أنفسهم باعتبارهم أولى ضحايا الإرهاب. وأمس، عبر عميد مسجد باريس الكبير الدكتور دليل بوبكر الذي حضر اجتماع الإليزيه عن «الحزن العميق» الذي ينتاب المسلمين إزاء العملية الإرهابية. لكن بوبكر ذهب أبعد من ذلك، حيث وضع الإصبع على الجرح والمتمثل بالحاجة إلى «إصلاح المؤسسات الإسلامية» في فرنسا، وأولها المجلس الأعلى للديانة الفرنسية الذي رأسه لمرتين متتاليتين. وقال بوبكر: «حان القوت بالنسبة للمسلمين أن يأخذوا بعين الاعتبار ما لا يسير بشكل صحيح في الرؤية العالمية للإسلام، وأن يكونوا سباقين في مجال تأهيل رجال الدين». والحال أن هذه المسألة تبدو مركزية في نظر السلطات الفرنسية التي تريد الانتقال من مفهوم «الإسلام في فرنسا» إلى مبدأ «الإسلام الفرنسي»، القادر على أن يكون له رجال دين محليون يعرفون المجتمع الفرنسي وقيمه وأهلا لمواجهة التطرف دينيا وثقافيا وآيديولوجيا.
ويقدّم عادل كرميش مثالا لما تتخوف منه السلطات، ولما لم تقدر حتى الآن على إيجاد الوسائل الناجعة لمواجهته رغم تعدد القوانين التي استصدرتها والوسائل الأمنية التي وفرتها. فهذا الشاب ولد في فرنسا، في منطقة النورماندي، ولا يبدو غريبا أن يكون قد تشرب الثقافة الفرنسية والمجتمع الذي يعيش فيه. لكنه بفعل ما يجري في سوريا، مال إلى التطرف وشهادات من عرفه تبين كم أنه كان ساعيا للذهاب إليها والقتال هناك. لكن إلى جانب هذه السمات من شخصيته، يبدو أنه كان يعاني من مشاكل نفسية قادته إلى مصح نفسي في فترة مبكرة من شبابه. كذلك عرف عنه عنف تصرفاته.
ولم يكن عادل كرميش نكرة لدى الشرطة، إذ إن الأجهزة الأمنية المعنية في محاربة الإرهاب كانت تعرفه، لا بل إنه قبع في السجن لمدة عشرة أشهر بسبب محاولتين فاشلتين للالتحاق بـ«داعش» في سوريا.
في المرة الأولى، أعادته ألمانيا إلى الأجهزة الفرنسية، وفي المرة الثانية، قامت تركيا بالمهمة. ولدى استرداد هذا الشاب البالغ من العمر 19 عاما فقط، تم توقيفه ثم حبسه ثم إطلاق سراحه مع إرغامه على حمل السوار الإلكتروني ليلا نهارا، وهو يمكن الشرطة في مدينة سان إتيان أن تعرف في أي لحظة مكان وجوده. لكن قاضي التحقيق الذي فرض عليه أن يحضر مرة في الأسبوع إلى مركز الشرطة سمح له بالخروج عدة ساعات في اليوم، صباحا من الاثنين حتى الجمعة وبعد الظهر خلال نهاية الأسبوع. لكنه استفاد أول من أمس من فترة خروجه الصباحية ليقوم بمهاجمة الكنيسة القريبة من منزل والديه الذي كان يعيش فيه.
ومع كل عملية إرهابية، يطرح السؤال التالي: أين يكمن الخلل الأمني الذي استغله الإرهابيون لارتكاب عمليتهم؟ وفيما يخص عملية الكنيسة، فإن السؤال يتناول فعالية فرض الإسوارة الإلكترونية التي لم تمنع عادل كرميش من مهاجمة كنيسة واحتجاز رهائن وذبح كاهن على الطريقة الداعشية.
وحقيقة الأمر أن التدابير التي اعتمدتها الحكومة لم تبد كافية حتى الآن، وهو ما أشار إليه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي والكثير من السياسيين من اليمين. لكن يبدو أن الرئيس هولاند غير مستعد للتضحية بـ«دولة القانون» والقفز فوق النصوص الدستورية. وأمس، رد وزير الداخلية برنار كازنوف على من يتهمون الحكومة بفقدان الحزم وعدم التحرك، وقال في حديث صحافي صباح أمس إن احترام النصوص الدستورية: «ليس من باب الألاعيب القانونية»، مضيفا أن مجموعة من القوانين تم اتخاذها وكلها تصب في مجرى التشدد في محاربة التطرف وزيادة الأحكام.
وأكد كازنوف أن الأمن الفرنسي عطل 16 محاولة إرهابية وأغلق عشرة أماكن عبادة تابعة للمسلمين بسبب توجهاتها المتطرفة وأوقف 196 شخصا في الأشهر الأولى من العام الحالي. وخلص كازنوف إلى اعتبار أن ما يقترحه ساركوزي من سجن كل من ورد اسمه في اللوائح الموجودة تحت الحرف «S» بأنها «مخالفة لنصوص الدستور»، كما أنها «غير ناجعة»، وأن حكومته لا تريد التحول إلى دولة «اعتباطية»، بل إنها تريد أن تبقى تحت سقف القوانين في محاربة الإرهاب.
ولن يتوقف هذا الجدل، خاصة أنه يصب في مصلحة اليمين لأنه يضعف الحكومة الاشتراكية والمرشح الاشتراكي القادم للمنصب الرئاسي الذي قد يكون هولاند نفسه.
في هذا الوقت، تستمر الأجهزة الأمنية المناط بها القيام بالتحقيقات تحت إشراف النيابة العامة في عملها ساعية أولا لكشف هوية المنفذ الثاني للعملية الإرهابية. وحتى بعد ظهر أمس، كانت قد أوقفت شابا من أصل جزائري لم يبلغ سن الرشد، لكن الوزير كازنوف اعتبر أنه قد لا يكون معنيا فيما حصل في الكنيسة.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».