سادت حالة من الهدوء الحذر في عاصمة جنوب السودان جوبا بعد قرار وقف إطلاق النار، الذي أصدره الرئيس سلفا
كير، ونائبه الأول رياك مشار، أول من أمس. وبدأت الحياة تعود تدريجيا للمدينة، في حين عاد مطارها للعمل مجددًا بعد أن كان مغلقًا طوال فترة المواجهات الشرسة والدامية بين قوات كير ومشار، التي حصدت أرواح المئات وشردت الآلاف.
وفي غضون ذلك دعا مسؤول أممي رفيع حكومة جنوب السودان المكونة من الجانبين لإنشاء محكمة مختلطة لمحاكمة قضايا الإبادة الجماعية، وتشكيل لجان لمحاسبة الجناة ومرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، وللحيلولة دون إفلات الجناة من العقاب لتحقيق المصالحة وتضميد الجراح.
وقال سفير جنوب السودان في الخرطوم، ميان دوت، لـ(«الشرق الأوسط»، أمس، إن الأوضاع عادت للهدوء مجددًا، وإن كلا من الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار يبذلان جهودًا كبيرة للسيطرة على الأوضاع وفرض قرار وقف إطلاق النار. وأوضح دوت أن الحياة في المدينة بدأت في العودة التدريجية لحالتها الطبيعة، وعاد مطار جوبا للعمل وغادرته طائرتان، خلال أمس، بعد أن ظل مغلقًا أمام حركة الطيران طوال اليومين الماضيين، وأن العاملين في الدولة عادوا إلى مكاتبهم تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية لهم مساء أمس، وأن المتاجر فتحت أبوابها، وبدأ الناس يتجولون في المدينة.
من جهته، أعرب مستشار الأمين العام للأمم المتحدة الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية، آداما دينغ، عن قلقه البالغ مما سماه الخطر المحدق بسكان جنوب السودان حال تجدد القتال بين القوات المتحاربة مرة أخرى. ورغم عدم كشف الدوائر الرسمية عن الأعداد الفعلية للقتلى والجرحى، قال مستشار الأمين العام آداما دينغ في بيانه، إن عدة مئات من الأشخاص قتلوا بما فيهم المدنيون الذين كانوا يحاولون اللجوء إلى ملاذات آمنة، وأضاف: «يقال إن بعض المدنيين قتلوا استنادًا إلى انتمائهم العرقي».
ودعا دينغ الرجلين المتقاتلين للقيام بما في وسعهما لوقف تصعيد الأعمال العدائية، وضمان انسحاب القوات إلى قواعدها، وحذر بقوله: «إذا فشلوا في القيام بذلك، يمكن أن تسقط جنوب السودان مرة أخرى في الحرب الأهلية، بتكلفة بشرية لا يمكن تصورها».
وذكّر المسؤول الأممي الرفيع في بيانه حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية التي تشكلت تنفيذًا لاتفاقية السلام الموقعة بين الرجلين في أغسطس (آب) الماضي، بما سماه مسؤوليتها في حماية السكان بغض النظر عن العرق والانتماء السياسي. وفي الوقت ذاته شدد على الحاجة الملحة لوضع حد للإفلات من العقاب، وتقديم المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من الطرفين للمحاسبة.
ودعا مستشار بان كي مون الخاص الرجلين لتنفيذ الفصل الخامس من اتفاقية السلام الموقعة بينهما، والقاضي بإنشاء محكمة مختلطة لمحاكمة قضايا الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فضلاً عن سائر الجرائم الجسيمة بموجب القانون الدولي.
كما طالبهما بإنشاء لجنة لتقصي الحقائق وتضميد الجراح والمصالحة، وقال في البيان: «سيكون خطأ أن نعتقد أنه بمجرد توقيع اتفاقية السلام، يمكن تحقيق المصالحة وتضميد الجراح الوطنية في جنوب السودان، دون أي مساءلة عن الجرائم المرتكبة»، وأضاف أن «العفو ليس خيارًا، وأولئك الذين يعارضون المساءلة يسمح بالتحريض على ارتكاب الفظائع عن طريق حماية الجناة».
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك إن وقف إطلاق النار الذي تم الدعوة إليه، ما زال «صامدا» على الرغم من سماع إطلاق بعض العيارات النارية بأماكن متفرقة.
وقال دوجاريك، خلال الموجز الإعلامي اليومي، أمس، إن الأمم المتحدة تطالب الأطراف باحترام وقف إطلاق النار والإيعاز للقوات المسلحة المختلفة بالعودة إلى معسكراتها مشيرا إلى ضرورة السماح للأمم المتحدة للوصول إلى المحتاجين لتقديم المساعدات الإنسانية الضرورية لهم. يذكر أن سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار أعلنا وقفا لإطلاق النار الأحد، لوقف العنف الذي استشرى في البلد حديثة الاستقلال منذ الخميس الماضي، واستخدمت فيه المدفعية الثقيلة والمدرعات والمروحيات وأدى لمقتل المئات وتشريد عشرات الآلاف.
وشهدت جوبا نقصًا في الغذاء ومياه الشرب، أمس. وناشدت قيادات أهلية الحكومة والمنظمات الدولية إلى تقديم المساعدات العاجلة للمواطنين وتوصيل المياه إلى أحياء المدينة، خصوصا الطرفية منها. وناشد رئيس سلاطين قبائل جنوب السودان دينق مشام، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، الحكومة بالإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية لسكان جوبا. وقال: «نواجه مشكلات في الطعام ومياه الشرب في جوبا وحولها... ندعو أصحاب السيارات التي تنقل المياه أن تعود للعمل بعد وقف إطلاق النار لأن المواطنين يعانون معاناة شديدة»، مناشدًا المواطنين الذين فروا من منازلهم بالعودة إليها حتى تعود المدينة إلى طبيعتها وأن يمارسوا حياتهم الطبيعية. وقال: «لا بد أن يعود الموظفين والتجار إلى ممارسة أعمالهم بشكل طبيعي بعد انتهاء الأحداث».
هدوء في جوبا.. والأمم المتحدة تدعو لمحاكمة منتهكي حقوق الإنسان
أزمة غذاء حادة.. ومناشدات للمنظمات الدولية بالعودة للعمل وتقديم المساعدات للمواطنين
هدوء في جوبا.. والأمم المتحدة تدعو لمحاكمة منتهكي حقوق الإنسان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة