أعلنت القوات العراقية أنها احتجزت نحو 20 ألف شخص من النازحين الذين فروا من المعارك بينها وبين «داعش» في الفلوجة غرب بغداد، وذلك بهدف التحقق مما إذا كان بينهم جهاديون يحاولون الفرار وسط هؤلاء المدنيين.
وكان عشرات آلاف من المدنيين فروا من الفلوجة مع تقدم القوات الحكومية لاستعادة المدينة من قبضة التنظيم، ولدى خروجهم من المدينة تعرض قسم من هؤلاء للاحتجاز على أيدي القوات الحكومية وميليشيات الحشد الشعبي التابعة لها، والتي اتهمها بعضهم بأنها عاملته بقسوة وصلت إلى حد الضرب والتعذيب.
معارك الفلوجة والتي استمرت لمدة شهر، أعلنت قيادة عمليات تحرير مدينة الفلوجة، عن اقتحام القوات العراقية المشتركة منطقة الأزركية، شمال المدينة، آخر معاقل تنظيم داعش، بعد استعادة السيطرة بالكامل على حي الجولان أكبر الأحياء السكنية في المدينة، فيما أكدت قيادة العمليات أن جميع مناطق مدينة الفلوجة أصبحت الآن تحت سيطرة القوات الأمنية، وقال قائد عمليات الفلوجة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «قطعات الجيش العراقي وقوات جهاز مكافحة الإرهاب والقوات الأخرى، تمكنت من تحرير وتطهير حي الجولان آخر الأحياء السكنية في الفلوجة وأكبرها تطهيرًا كاملاً من عناصر تنظيم داعش، لتكون بذلك جميع مناطق مدينة الفلوجة تحت سيطرة قواتنا الأمنية».
من جهة أخرى قالت خلية الإعلام الحربي في قيادة العمليات المشتركة المسؤولة عن مكافحة التنظيم، إنه تم الإفراج عن 11605 نازحين، ليصبح «مجموع الذين تم تدقيقهم 13 ألفا و790»، لافتة إلى أن «المتبقين قيد التدقيق نحو 7 آلاف، والعمل متواصل على إكمال التدقيق في مركز الاحتجاز في الحبانية» شرق الفلوجة.
وفي هذا المخيم روى أحد المفرج عنهم أنه قضى 4 أيام محتجزا على أيدي ميليشيات الحشد الشعبي المؤلف من فصائل شيعية، من دون ماء أو طعام. بينما روى رجل آخر أن المحتجزين تعرضوا للضرب المبرح والتعذيب. وأبدى بعض المسؤولين والجماعات الحقوقية قلقهم حيال حالات تعذيب وانتقام طائفي ضد سكان الفلوجة السنة، على أيدي ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية.
سياسيا، وفي سياق المقارنة بين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي والسابق نوري المالكي، على الرغم من انتمائهما إلى تحالف واحد (التحالف الوطني) وائتلاف واحد (دولة القانون) وحزب واحد (الدعوة) فإن الخلافات بينهما وحتى داخل أوساط الحزب لم تعد خافية إلى حد كبير على كثير من الأصعدة والملفات، كان الأبرز فيها القرار الذي ابتدأ به العبادي حزم إصلاحاته خلال شهر أغسطس (آب) 2015، وهو إقالة المالكي من منصب تشريفاتي هو نائب رئيس الجمهورية، مع النائبين الآخرين أسامة النجيفي وإياد علاوي. وطوال السنة الماضية ظل العبادي يصارع رياح التغيير دون أن يحقق النتيجة المطلوبة بسبب عمق الخلافات السياسية التي بلغت الذروة من خلال تعطيل كامل للسلطة التشريعية وشبه تعطيل للسلطة التنفيذية. لم تبق لدى العبادي سوى معارك التحرير التي كان يحتاج من خلالها إلى تحقيق نصر يعيد الأراضي التي احتلها تنظيم داعش خلال شهر يونيو (حزيران) عام 2014، أيام كان المالكي رئيسا للحكومة، وكذلك يحقق التوازن له في معادلة الصراع الداخلي والإقليمي والدولي. ومع إنه جرت عمليات تحرير لكامل محافظة ديالى وصلاح الدين وأجزاء كبيرة من محافظة الأنبار، بمن فيها مركز المحافظة مدينة الرمادي، لكن بقي النصر الذي لا يتوانى العبادي عن إعلانه بكل وضوح على كل مناوئيه وخصومه، هو استعادة الفلوجة من تنظيم داعش. فهذه المدينة الصغيرة نسبيا (450 كيلو مترا مربعا مساحة) ونحو (نصف مليون نسمة سكانًا) وأكثر من (550 مسجدًا) كانت عصية على الأميركان مرتين (عام 2004) حتى دمروها بالكامل وضربوها بقنابل النابالم. لذلك بدت الفلوجة، ولا تزال تبدو، ذات رمزية عالية في كل شيء. وإذا كان العبادي ليس محظوظا على المستويين السياسي (أزمة مستمرة دون حل منذ تشكيله الحكومة وحتى اليوم) والاقتصادي (انخفاض كبير في أسعار النفط)، فإنه محظوظ عسكريا، مع إنه لا علاقة له بالجندية (يحمل دكتوراه في الهندسة المدنية). فرغم الأزمتين السياسية والاقتصادية، فقد تم استعادة عدة محافظات ومدن عراقية من قبضة «داعش»، لكن أن تتم استعادة الفلوجة فهذا أمر سيكون مختلفا لدى كل الأوساط السياسية، لا سيما على صعيد المستقبل، والذي يمكن أن يعبر عنه بكثير من المخاوف التي تتمثل بالدرجة الأساس من الصراعات العشائرية التي يمكن أن تبرز بعد التحرير. وفي هذا السياق يقول الشيخ حميد الكرطاني، أحد شيوخ الفلوجة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأمر يتوقف على مدى قدرة الحكومة على استيعاب الناس، حتى من تورط مرغما مع تنظيم داعش، بحيث إن صدور عفو عام عن المغرر بهم يمكن أن يحد من أي تجاوزات قد تحصل من هذا الطرف أو ذاك، لا سيما على صعيد النزاعات والخلافات العشائرية التي من المتوقع أن تنشا على مستوى الثارات». وأضاف الكرطاني: «لكن في حال تمكن الشيوخ من الالتفاف على محاولات التفرقة وعدم الأخذ بالبريء في جريرة المذنب، فإنه ومع بقاء البنية التحتية للمدينة سليمة تقريبا، فإن من الممكن إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها داخل المدينة، على شرط أن يأخذ القانون مجراه في الأمور التي يتوقع أن تحصل بشأنها خلافات داخل العشيرة الواحدة». وإذا كان للحكومة الاتحادية رؤيتها على صعيد كيفية إعادة الحياة إلى طبيعتها في الفلوجة، فإنه بالنسبة للعبادي فإن نصر الفلوجة الذي قطفه بسرعة سيتحول إلى استحقاقات في بغداد، من خلال طريقة رؤيته للمرحلة القادمة، خصوصا بعد القرار المتوقع إصداره من قبل المحكمة الاتحادية هذا الأسبوع. ففي الوقت الذي يراهن العبادي على ما تحقق بالفلوجة من إنجاز عسكري سيحوله إلى بطل في نظر كثيرين، فإن المالكي سيراهن على تقوية جبهة الإصلاح التي لديه الغالبية فيها، والتي يراد لها أن تتحول إلى قوة معارضة برلمانية. وكلا الطرفين سوف يحمل ما يراه منجزا للمرحلة المقبلة، التي تهيئ لانتخابات مجالس المحافظات العام القادم، والبرلمان العام الذي يليه. أما سياسيو الأنبار في مرحلة ما بعد الفلوجة، فإن النائب عن المحافظة محمد الكريولي يخلص رؤيتهم في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن «من قاتل مع القوات الأمنية وواجه التحديات كافة في الداخل والخارج، وتعرض لشتى الضغوط والاتهامات، لا يمكن أن يكون مثل حال من بقي يتفرج أو يجلس في الخارج ويبحث عن استحقاقات». وأضاف أن «النازحين لهم الأولوية، ومن قاتل الإرهاب هو من سيمثل الأنبار والفلوجة؛ لأن قرار استعادتها من (داعش) لم يكن قضية بسيطة، بل كانت واحدة من أكبر التحديات».
الفلوجة.. مخاوف ما بعد التحرير
الحكومة العراقية تعترف باحتجاز النازحين للتحقيق معهم
الفلوجة.. مخاوف ما بعد التحرير
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة