في كل مكان أسمع صوت أقدام جنود الشرطة. مرحبا في فرنسا، يورو 2016، وصيف كرة القدم الساخط والعابس. بالطبع من الأهمية بمكان أن نفصل الواقع عن التصورات وحالة الهستيريا على شبكات التواصل الاجتماعي. مر معظم الزخم الأولي للبطولة كما كان مخططا له، وهو مزيج طيب من المشجعين، مع بعض الحوادث المؤسفة، وكثير من النوايا الحسنة.
ومع هذا، فعلى رغم كل التدابير الحذرة، كان هناك صفة مميزة لبطولة فرنسا 2016. بعد 10 أيام على النسخة العاشرة من البطولة الأوروبية في ثوبها الحديث، كانت هناك أوقات حيث لم يكن من الصعب أن تنظر حولك، بل داخل الملاعب المتألقة بسبب التصميمات الحديثة، وتستشعر أجواء خوف غير متوقعة.
لا يمكن للرياضة أن توجد في فراغ أبدا. وإقامة بطولة أوروبية في وقت يجتاح فيه نوع غريب من الغضب الكثير من أنحاء أوروبا نفسها، كان دائما أشبه بأن ترقب بحذر نافذة بلاستيكية، وتحاول في الوقت نفسه إقامة حفل عيد ميلاد، بينما توشك أن تضرب عاصفة رعدية. على أرض الملعب، كانت كرة القدم جاذبة في بعض الأوقات. وخارجه، كانت إدارة الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» جيدة بوجه عاما، إلا عددا من قضايا التمييز المخيفة.
ومع هذا، فإن أسبوعا كاملا من العمل في هذه البطولة الموسعة لا يزال «احتفال الشتاء» يبدو باردا قليلا. شعار يويفا الرسمي لـيورو 2016 هو «الموعد»، وهي جملة تناسب الدعاية التجارية المغالى فيها. لكن عند مشاهدة العصابات الإنجليزية والروسية وهي تتسبب في اضطراب مفاجئ في مرسيليا، واندلاع القتال في نيس وليل وباريس، والتزام الشرطة الفرنسية باستخدام الغاز المسيل للدموع أولا ثم التعامل بأساليب قتال الشوارع لاحقا، كان من المغري أن نقترح شعارا بديلا: «العلاقات الخطيرة» ربما. أو ببساطة «الغثيان». فرنسا 2016: الصيف هنا والوقت مناسب للقتال في الشوارع
لم تكن مفاجأة كبيرة أنه كلما كان هناك تراخ في أعمال التأمين اليومية، كان الأداء الشرطي في السيطرة على الأقلية المثيرة للمشكلات بين صفوف الجماهير منهكا بشكل أكبر. بدت باريس كساحة حرب، ومستنزفة حتى قبل ليلة الافتتاح البارعة على ملعب استاد دو فرانس التي تزينت على أرضية الملعب بتألق ديميتري باييه. هذا بلد لا يزال رسميا في حالة طوارئ، ويتحضر لهجوم أوسع نطاقا على أراضيه.
لقد تحول التركيز الآن.. ستواجه المدن المضيفة لإنجلترا وروسيا إغلاقا مكثفا. وربما، من يدري، لعلنا من هنا نبدأ الحديث عن كرة القدم، التي وإن لم تكن على مستوى رفيع باستمرار، فإنها كانت مثيرة وتنافسية.
كان ضغط الشكل الموسع للبطولة واضحا. هناك عدد كبير جدا من المنتخبات في هذه البطولة. أو على أقل عدد كبير جدا لم يفعل أي شيء مثير للاهتمام فعليا ليستحق مكانا في البطولة، وهو بشكل مثالي مكافأة لانتصار ما أو تطور أو تدريب، مع مظهر نادر للموهبة. وقد ظهرت تركيا وأوكرانيا وروسيا -هم جيدون في العراك، لكن ليسوا جيدين بالقدر نفسه في الكرة - أشبه بالمسافرين.
وهناك فرق أخرى قدمت لمحات نادرة من ظاهرة النجم الكبير الوحيد + 10. كانت المراحل المبكرة التي جمعت النمسا ضد المجر، تشبه إلى حد ما كما لو فاز 21 رجلا باليانصيب ليلعبوا مباراة في كرة القدم مع ديفيد ألابا. وإن كان وفقا لطبيعة اللعبة، نجحت المجر في الفوز بالمباراة لظهورها بشكل أفضل تماسكا واللعب الجماعي. أما البرتغال فبدأت كفريق يطغى عليه ظل النجم العالمي الكبير في البطولة. وفي مواجهة إنجلترا، كان غاريث بيل بالأساس يقف ويتفرج ورفاقه يدافعون.
ويبدو على الأرجح أن هذه البطولة الأوروبية سينتهي بها المطاف كبطولتين مصغرتين وقد انشطرتا في المنتصف، كنسخة مصغرة من بطولات كأس العالم في الكريكيت والرغبي، مع الحرب غير الحقيقية بين المنتخبات الصغيرة. لكن هناك منتخبات تسير عكس التيار: صعدت آيرلندا الشمالية إلى هذه البطولة وقدمت لمحات من كرة القدم الجميلة، كما فعلت آيسلندا في مباراتها الافتتاحية. لكن مع 36 مباراة في أسبوعين، لإقصاء 8 فرق فقط، ستتأجل حرارة المنافسة إلى مرحلة تالية، لكنها ستكون منافسة شديدة كما نأمل.
من هناك تبدو البطولة كنزال حر، حيث يمكن لأي فريق يستطيع أن يفوز بمباراتين أن ينافس على اللقب الأوروبي. تظل فرنسا مرشحا يتمتع بأفضلية مقنعة. ميزة الأرض تصاحبهم على طول الطريق، بجانب مجموعة من لاعبي الوسط من أصحاب المهارات الرفيعة. كان باييه هو الحكاية الأكثر جذبا حتى الآن، وهو قوة محركة ومصدر إبداع لا يكل. وقدمت إسبانيا إنذارا للجميع خلال مباراتها ضد تركيا. وربما كان لهدفي ألفارو موراتا تأثيرا مطمئنا، بجانب الأداء الرائع لأندريس إنييستا كصانع ألعاب في العمق.
ولعبت ألمانيا ببطء، حيث تحولت طريقة التاكا السريعة لأفضل فرق يواخيم لوف إلى إيقاع مدروس بشكل أكبر، وربما يفتقر إلى حيوية التحرك والتنوع إلى حد ما. أما إيطاليا التي لم يستبعدها أحد فعليا، فأصبحت أقرب إلى حصان أسود، وهو أمر معتاد إلى حد ما. ويبدو أن أنطونيو كونتي حدد اختياراته بدقة وفقا لاحتياجاته في البطولة، فليس هناك أي عناصر مهدرة، وليس هناك أي مكون لا يستعان به. وسيحتاج أي فريق يرغب في هزيمة الإيطاليين إلى تقديم مستوى ثابت. وبالنسبة إلى إنجلترا، فيظل هنالك شك بأن هذا الفريق ليس لديه أي فكرة بعد عن أفضل شكل له، أو في الواقع هذه هي قدراته الكاملة. من الصعوبة بمكان أن تتجنب الإحساس بأن إنجلترا وصلت إلى المرحلة المعهودة لها: فريق يملك من المهارات ما يكفي لرفع مستوى الآمال؛ ومدرب مرتبك بما فيه الكفاية للسيطرة عليه، وهو ما يزيد من شبح الإحساس المألوف بالغضب والندم، وسنوات الألم وباقي ما تعرفونه. وهو أمر مخز لأن إنجلترا قدمت أداء مغلفا بالحيوية والإبداع، حتى لو كانت مقيدة بفعل التفكير الزائد عن الحد من مدربها الذي يملك وفرة كبيرة في القوة الهجومية.
كان هناك بعض التكتيكات والتشكيلات المثيرة للاهتمام. جاءت الأهداف متأخرة، وفي كثير من الأحيان في الدقائق القليلة قبل النهاية، مع ظهور الثغرات أخيرا في الدفاعات المتمركزة بشكل جيد. في يورو 2012. جاء 58 في المائة من كل الأهداف في الشوط الثاني. وحتى الآن، فإن الرقم الموازي في البطولة هو 70 في المائة. وعلى رغم بعض الشكوك المبدئية، فإن نسبة الأهداف التي سجلت من كرات عرضية (42 في المائة) أقل بشكل طفيف من الرقم الإجمالي المحقق في البطولة السابقة.
وما تغير عن بطولة كأس العالم السابقة هو ندرة الأهداف التي سجلت من هجمات مرتدة. إذا كان طغى على بطولة البرازيل 2014 في البداية بالهجمات المرتدة في الشوط الثاني - الجياد التشيلية الهائجة، والكرات الطويلة على طريقة لويس فان غال - ففي أوروبا أغلق الباب بـ3 أهداف سجلت من مرتدات ملائمة حتى الآن، أحرز اثنان منها في الدقائق الأخيرة ضد منافسين منهكين.
أما التطور الآخر، والمشجع بالنسبة إلى أولئك المعتادين على مشهد الافتتان بالنجوم الكبار في كرة القدم الحديثة، فهو الغياب الواضح للنجوم وهيمنة اللعب الجماعي. ربما يقول أحد المتشائمين إن هذا يعود جزئيا إلى غياب أوسع نطاقا للمواهب التي تتكرر مرة كل جيل في هذه اللحظة. لدينا هنا لاعب واحد من الفائزين بالكرة الذهبية. وفي توقيت كتابة هذا المقال كان أداؤه في البطولة مجرد تمشية وشعور بالألم. وبخلاف هذا، فإن إنييستا ومانويل نوير وصلا إلى منصة التتويج في زيوريخ.
ومع هذا، فهناك عدد كبير من المهارات. ظهر ماريك هامشيك كلاعب وسط رائع في الفريق المصنف 24 عالميا. كما وأن المنتخب البلجيكي مليء باللاعبين الممتازين الذين لم يظهروا بالشكل الملائم حتى الآن. وبخلاف هذا، فإن نمط اللعب كان في بعض الأحيان مختنقا، وهو ما يذكر بمرحلة المجموعات في دوري الأبطال الأوروبي. وإذا كان هناك بعض الحذر، فينتظر أن يأتي المزيد من كل هذه الفرق. وهناك شكل البطولة نفسها. فرغم كل محاولات الهيمنة من جانب الشركات وتفاهة شعارات تشجيع الفرق الكبرى في أنحاء العالم، فإن الرياضة على هذا المستوى هي بالأساس وسيلة لجمع الناس معا. وقد كانت هكذا بالنسبة إلى الأغلبية، في ظل وفرة من الاختلاط الودي، ليس فقط من الآيرلنديين المهووسين، والودودين أكثر مما تتخيل، والذين يمكن أن يتعرضوا لأول حالة توقيف في البطولة بسبب العناق الزائد عن الحد، وتغيير الإطارات من دون داع، والتعبير الغامر عن المشاعر بكامل أجسادهم.
خارج الملعب، ما تزال بطولة فرنسا تعكس 2016. تعكس إلى درجة ما حالة فرنسا وما تعرضت له، وأوروبا نفسها في واقع الأمر. وصلت سياسات الغضب والخوف بالفعل إلى أبعد الأماكن. وسوف تستمر التهديد بحدوث مزيد من التفكك الأوسع نطاقا. ومع هذا، فإن المباريات تتواصل، على أمل أن نتجاوز كل العثرات والعقبات والمشكلات الصغيرة، وأن نركز على الإثارة الرياضية.
«يورو 2016» حيث تتصارع إثارة كرة القدم مع سياسات الخوف
الأجواء والتحركات داخل الملعب يواكبها إحساس في الشوارع
«يورو 2016» حيث تتصارع إثارة كرة القدم مع سياسات الخوف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة